اسم الکتاب : دراسات في علوم القرآن المؤلف : فهد الرومي الجزء : 1 صفحة : 265
لهم في كل مرة أن يستعينوا بمن شاءوا ومن استطاعوا، ثم رماهم والعالم كله بالعجز في غير مواربة فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [1] وقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [2] فانظر أي إلهاب!! وأي استفزاز! لقد أجهز عليهم بالحكم البات المؤبد في قوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} ثم هددهم بالنار، ثم سواهم بالأحجار، فوالله لو كان فيهم لسان يتحرك، لما صمتوا عن منافسته وهم الأعداء الألداء وأباة الضيم الأعزاء، وقد أصاب منهم موضع عزتهم وفخارهم، ولكنهم لم يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى معارضته ولا سلمًا يصعدون به إلى مزاحمته، بل وجدوا أنفسهم منه أمام طود شامخ، فما اسطاعوا أن يظهروه، وما استطاعوا له نقبًا ... حتى إذا استيأسوا من قدرتهم واستيقنوا السيوف بدل الحروف، وتلك هي الحيلة التي يلجأ إليها كل مغلوب في الحجة والبرهان، وكل من لا يستطيع دفعًا عن نفسه بالقلم واللسان"[3].
سلكوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كل سبيل للتوقف عن دعوته، ساموه بالمال، وعرضوا عليه الملك، وقاطعوه ومن معه حتى يموتوا جوعًا، وتآمروا على قتله، وأخرجوه من بلده وسلكوا أصعب الطرق وأعرضوا كل الإعراض عن الطريق الوحيد الذي عرضه عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لإبطال دعوته وهو أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فوجدوا أن كل سبيل أهون من هذا السبيل، وكل مشقة دون هذا المطلب، فأي شيء يكون العجز إن لم يكن هذا هو العجز كل العجز[4]. [1] سورة الإسراء: الآية 88. [2] سورة البقرة: الآية 24. [3] النبأ العظيم: ص84، 85 بتصرف. [4] المرجع السابق: ص87، 88 بتصرف.
اسم الکتاب : دراسات في علوم القرآن المؤلف : فهد الرومي الجزء : 1 صفحة : 265