قال الرماني [1] يوضح بلاغة هذه الآية وما بها من الاستعارة:
«أصل الاشتعال للنار، وهو في هذا النص أبلغ، وحقيقته كثرة شيب الرأس، إلا أن الكثرة لما كانت تتزايد تزايدا سريعا صارت في الانتشار والإسراع كاشتعال النار، وله موقع في البلاغة عجيب، وذلك أنه انتشر في الرأس انتشارا لا يتلافى، كاشتعال النار».
وهذا التعبير لم يكن معروفا عند العرب، وذلك أنه شبه انتشار الشيب باشتعال النار للسرعة وللبياض وللملازمة، ولأنه ينتهي بتدمير ما تتصل به، وتجعل حطامه ترابا [2].
هذا عرض سريع لفن التصوير في القرآن، يبرز إعجاز القرآن وفق منظور معاصر، ومقياس فني حديث، سبق فيه القرآن تقدم العصور والقرون، بل تفنن في هذا التصوير بما تعجز عنه آلات التصوير الحسية، وفنون التصوير الأدبية، وقد شمل في تصويره أنواع الظواهر الطبيعية في الإنسان والكون، وتوغل في المشاعر الداخلية، وعرض للمعاني الدقيقة في صور من السمع والبصر والذوق والوجدان واللون والزمان والمكان ... وجعل من هذا الجمال الفني المعجز قالبا يحمل جمال الفكرة والدعوة، والحجج والبراهين، والحكم والتشريع، لكي يعتصم الإنسان بحبل القرآن في كل مكان وكل زمان. [1] في رسالته النكت في إعجاز القرآن 81 - 82. [2] انظر المعجزة الكبرى لمحمد أبو زهرة ص 280 - 281. وللجرجاني تفصيل قيم حول بلاغة الآية لم نطول به.