الفصل الحادي والعشرون التصوير في القرآن
بحث هذه الخاصة في أسلوب القرآن قديم وحديث، سابق ولا حق، يبرز الإعجاز عن إدراك إعجاز القرآن، وقد أشار القدماء لهذه الخاصة بما عبّروا عنه حسب
مصطلحاتهم كالتخييل والتجسيم، دون أن يغوصوا أعماقه الفنية، حتى إذا جاءت العصور الحديثة وفيها ارتقى التصوير، وأدوات العرض بالرؤية من أشرطة وأجهزة رائية جهد الأدب أن يلحق المصوّرة، ويحل بالكلمة والعبارة محل الصورة، وكان من البدهي أن يلتفت الدارسون إلى إعجاز القرآن يبحثون فيه عن الصورة وعن فن التصوير.
وكان أن وجدوا في أدب القرآن المعجز أنه معجز في تصويره بالمعنى العصري الحديث كما أنه معجز في نظمه في نظرية النظم في الاصطلاح القديم [1]، كيف لا وهو الذي تحدّى الله تعالى العالمين كلهم أن يأتوا بمثله، أو بمثل سورة منه، وأعلن لهم على رءوس الأشهاد أنهم لم يأتوا بمثله، ولن يأتوا بمثله، فكان إعجاز القرآن معجزا في كل عصر، وفي أي مقياس أدبي صحيح، وذوق فني سليم، لا ينحصر بعصر دون آخر، ولا يضيق على مقياس أدبي صحيح أو آخر، ولا يستطيع أن يدرك كنهه أو يحيط بأسراره عبقري بل ولا عصر من العصور أو جيل من الأجيال، إنها معجزة فوق الإعجاز، معجزة كل عصر وزمان. [1] إشارة إلى نظرية «النظم» التي فسّر بها الجرجاني إعجاز القرآن.