جمع القرآن الكريم تدوينا في السطور
هذا الجمع هو لون من الحفظ يدوم مع الزمان، ولا يذهب بذهاب الإنسان، فلا غرو أن يتحقق أكمل تحقق لهذا الكتاب الذي تكفل الله تعالى بحفظه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
وقد رافق الجمع بالكتابة كل نجم من نجوم هذا القرآن منذ أن تنزّل هذا النجم بالوحي، إلى أن تكامل العمل بجمعه في المصحف جمعا محوطا بأشد أنواع العناية والحفاظ، حتى انتشر بين أمة الإسلام وهو في كل ذلك بإجماعها واطلاعها.
وتقتضي الدراسة الدقيقة تقسيم البحث في جمع القرآن إلى ثلاثة مراحل، كما قسمها المحققون من قبل.
جمع القرآن تدوينا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد عني النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن عناية بالغة جدا، فكان كلما نزل عليه نجم دعا الكتاب فأملاه عليهم، فكتبوه على ما يجدونه من أدوات الكتابة حينئذ مثل الرّقاع، واللّخاف، والأكتاف، والعسب [1]. وقد اشتهر أن عدد كتّاب الوحي خمس وعشرون كاتبا، لكنه فيما يبدو أكثر من ذلك بكثير. فقد بلغ عدد الكتّاب فوق الأربعين، حسبما أفاده الإحصاء المستقصي لبعض المحققين [2]، وقد حصر النبي الكريم جهد هؤلاء الكتّاب في كتابة القرآن فمنع من كتابة غيره إلا في ظروف خاصة أو لبعض أناس مخصوصين، كما في الحديث الصحيح: «لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه» أخرجه مسلم [3]. [1] الرقعة: القطعة من الأديم أي الجلد ونحوه، واللحاف الحجارة الرقيقة، والعسب:
سعف النخل يكشط طرفه العريض ويكتب عليه. [2] ابن حديدة الأنصاري في كتابه «المصباح المضيّ في كتّاب النبي العربي» وقد بلغ عدد الكتّاب عنده أربعة وأربعين. [3] مسلم في الزهد ج 8 ص 229 وأحمد ج 3 ص 21 بلفظه، وانظر في المسألة كتابنا منهج النقد ص 39 وما بعد.