على أن الراسخين في العلم أي الثابتين المتمكنين فيه يعلمون تأويله.
وذهب كثير من أئمة العلماء المتقدمين والمتأخرين إلى أن المتشابه لا يطلع على علمه إلا الله تعالى، واستدلوا بالآية نفسها كذلك وقالوا: إن قوله تعالى: إِلَّا اللَّهُ نهاية الكلام السابق والوقوف في القراءة عليه، وقوله:
وَالرَّاسِخُونَ مبتدأ، وجملة يَقُولُونَ في محلّ رفع خبر، والمعنى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ثم استأنف ويقول الراسخون في العلم آمنا به كل من عند ربنا، أي كل من المحكم والمتشابه من عند ربنا تبارك وتعالى، لا نفرق بينهما في الإيمان والخضوع، وكل واحد منهما يصدق الآخر، وليس شيء من عند الله بمختلف ولا بمتناقض.
وقد وردت آثار تشهد لهذا الرأي، منها ما أخرجه عبد الرزاق والحاكم في المستدرك عن ابن عباس أنه كان يقرأ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ... [1].
فهذا خبر بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن يدل على أنه يفسر الآية هكذا، وهو دليل على أن الواو في قوله: وَالرَّاسِخُونَ للاستئناف.
ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذمّ متبعي المتشابه، وعلى مدح الذين فوّضوا العلم إلى الله وسلّموا إليه، كما مدح المؤمنين في مواضع كثيرة بأنهم يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.
التحقيق في المسألة:
ونحن إذا أمعنا النظر في الموضوع من أصله، وبحثنا منطلقات الفريقين نجد أنهما متقاربان، وأن الخلاف ليس جوهريا، وإنما هو خلاف فرعي ناشئ عن اختلافهم في حقيقة المتشابه.
وذلك أن الذين قالوا لا يعلم المتشابه إلا الله أدخلوا في المتشابه قضايا من الغيب مثل قيام الساعة، وخروج الدجال، وحقائق العوالم الأخرى. بل [1] الإتقان ج 2 ص 3 وانظر الطبري ج 6 ص 202 وابن كثير ج 2 ص 8.