فقد دلّت الآية على أنّ من القرآن ما هو محكم، ومنه ما هو متشابه، فما هو المراد بهما هاهنا؟
لقد تعددت الآراء في تعريف المحكم والمتشابه المذكورين في هذه الآية وكان السبب في ذلك اختلاف الوجهة التي ينظر منها صاحب كل رأي.
ولعلنا إذا نظرنا إلى سياق الآية نخلص إلى ترجيح رأي الإمام الطيبي.
المحكم: هو الواضح المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال.
والمتشابه: هو الذي طرأ عليه خفاء في المعنى المراد منه [1].
فإن سياق الآية يؤيد هذا، لأنه تعالى جعل المحكم مقابلا للمتشابه، فينبغي أن يفسّر بما يقابله، وأشار إلى أن المتشابه يحتاج إلى تأويل، الأمّ فيه أي المرجع والأصل الذي يجب التعويل عليه هو المحكم.
هل يمكن تفسير المتشابه:
وبالنظر لغموض المتشابه وخطورة البحث فيه لكونه بحثا في كلام الله تعالى اختلفت الآراء فيه، هل هو مما يمكن الاطلاع على علمه، أو لا يمكن الاطلاع على علمه، ولا يعلمه إلّا الله.
وقد أرجعوا السبب في هذا الاختلاف إلى الاختلاف في آية آل عمران السابقة وقوله تعالى فيها: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ....
فذهب بعض أهل العلم إلى أن الراسخين في العلم يعلمون المتشابه، وفسروا الآية على أن قوله وَالرَّاسِخُونَ معطوف على قوله إِلَّا اللَّهُ وقوله يَقُولُونَ في محل نصب حال، ولا يقف هؤلاء على لفظ الجلالة اللَّهُ، بل على قوله رَبِّنا. والمعنى أن الله هو الذي يعلم تأويله وكذا الراسخون في العلم حال كونهم قائلين آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وتكون الآية دالة [1] انظر رأي الطيبي في الإتقان ج 2 ص 4.