جملة اسمية فى محل نصب حال، وعاملها إما تَلْبِسُوا أو تَكْتُمُوا، والمعنى:
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنكم لابسون الحق بالباطل كاتمون، فإنه أقبح، إذ الجاهل قد يعذر.
تكذيب القرآن لدعاوى اليهود:
هذا وقد استمر الكلام مع اليهود إلى حزب «سيقول» كما قلنا قبل ذلك، وفيه الرد عليهم وإلزامهم الحجة ما هو فوق الكفاية، ولنأت من هذا بآيتين سيقتا لغرض واحد وهو: تكذيب القرآن لليهود فى ادعائهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة: 94، 95]، يعنى أن من جملة قبائحهم أنهم كانوا يأمنون من سوء الخاتمة ولا يخافون منها، بل يحكمون بأن الدار الآخرة وما أعد الله تعالى لعباده من الملك العظيم والنعيم المقيم لهم دون غيرهم، كما قال تعالى حكاية عنهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: 111]، وقولهم: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا [البقرة: 135]، وقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18].
وقولهم: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: 80]، فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: إن كانت الدار الآخرة لكم كما تزعمون، وإن كنتم أبناء الله وأحباءه كما تدعون، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [البقرة: 94]، وذلك لأن المرء لا يكره الانتقال إلى داره وبستانه، بل يتمنى ذلك، وكذلك المرء لا يكره القدوم على الله تعالى، ولا على حبيبه، ولا يخاف منهما النقمة، بل يتوقع عندهما الكرامات، والدرجات، والعطايا، والهدايا، فإن كان الأمر كما تقولون، فتمنوا الموت حتى تنجوا من غم الدنيا ومن تحمل الشدائد التى أنتم فيها، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 94] فى زعمكم بأن الآخرة لكم وأنكم أبناء الله وأحباؤه.
فإذا ما قال اليهود اعتراضا على هذا الإلزام: إنكم تقولون: إن الآخرة للمؤمنين، فلم لا نرى أن أحدا من المؤمنين يتمنى الموت إذا قيل له: تمن الموت، فكل عذر لاح لكم فهو عذر لنا، فلا معنى لاحتجاجكم بذلك علينا، قلنا: أجاب العلماء عن هذا الإشكال بوجهين:
أحدهما: أن المؤمنين لم يجعلوا لأنفسهم من الفضل والمنزلة عند الله تعالى مثل ما