وبقى علينا أن نعرض لتلك الفروق الواضحة بين هذه المعجزات، وهى فروق لا تدعو إلى المساس بما لها من مكانة وقيمة، فالله هو خالقها ومرسلها؛ لتكون هداية لمن وجهت إليهم، ومناسبة لأحوالهم، ولكن نعرضها لتوضيح حقائقها وما لها من حكمة جديرة بالتناول والتعريف. واختلاف المعجزات بين الأنبياء لا يشعر باختلاف فى العقيدة التى أرسل بها الرسل، فالعقيدة واحدة فى جوهرها، ولا اختلاف بين المؤمنين فى كل عصر حيالها، فالإسلام هو دين كل مؤمن من لدن إبراهيم، عليه السلام، حتى خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 79] فى دعاء إبراهيم، وفى قول عيسى، عليه السلام: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة: 117].
عقائد واحدة، عبادة الله وحده، إيمان بالأصول العامة من بعث، وحساب، وجنة، ونار ... إلخ. أما الشرائع، فهى التى تختلف من عصر إلى عصر، ومن قوم إلى قوم، وهى تحكم العلاقة بين الخالق والمخلوق: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة:
48]، لذلك نجد ألوانا من الفروق والاختلاف تتضح فيما نعرضه من دراسة تقارنية قائمة على التحليل والموازنة بين مختلف الشرائع.
اختلاف المعجزات:
بالنظرة الفاحصة، والقراءة الواعية لتاريخ الأنبياء والرسل، وما ترك لنا من آثار وكتب سماوية، نستطيع أن نتبين أن اختلاف الشرائع أدى إلى اختلاف فى الوسائل والمعجزات التى أمد الله بها رسله، فقد كانت المعجزات السابقة على رسالة محمد بن عبد الله الخاتمة تبدو فى الآتى:
1 - أن معجزات موسى وعيسى، عليهما السلام، معجزات أمدهما الله بها فى مجابهة أقوام كافرين لا يستنكفون أن يطلبوا من أنبيائهم أن يروا الله جهرة، وهم أولئك الذين آذوا رسل الله، وقتلوا من دعاهم إلى عبادة الله وحده، وهم بنو إسرائيل، جماعات صغيرة، لهم انتماءاتهم الأسرية والعصبية، ويشعرون بأنهم أفضل من بقية البشر، ويتميزون على من عداهم من بقية المخلوقات، لذلك كثر منهم العناد، والمحاجة، والكفر، فكان لا بدّ من معجزة خارقة للعادة تكون طريقا إلى الإقناع والتدليل على