خليل الله إبراهيم، عليه السلام، بأمره سبحانه: كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: 69].
2 - أن تكون من جنس ما اشتهر بين الناس فى ذلك الوقت الذى وقعت فيه، ولهم بها إلف، ويمارسون نظائرها فى حياتهم، وما موقف موسى، عليه السلام، مع فرعون وآله إلا دليل على ذلك، فقد كان السحر والسحرة والكهنة وما يصنعون، وما لهم من سيطرة على الخاصة والعامة فى مصر، أدوات التأثير على القلوب، والعقول، والعقائد، حتى أن الجميع يخضع لآرائهم، فلا تبت الأمور إلا باستشارتهم وتبعا لما يأمرون به.
جابه موسى، عليه السلام، هذه المواقف وهو يعلم تمام العلم أنه مؤيد من قبل الله بتلك الآية الكبرى التى تنجيه من فرعون وآله، حينما يقول له: قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ [الأعراف: 106 - 108] الآيات التى تعرض نموذجا لموقف الباطل الزاهق أمام الحق الأبلج الذى يدمغه، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ [الشعراء: 46 - 48].
وموقف عيسى، عليه السلام، بين أولئك العلماء الذين اشتهروا بعلومهم، وما كانوا يصنعون من ألوان الطب والمعرفة، فكانت معجزته الكبرى: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله.
ومعجزة محمد، عليه الصلاة والسلام، فيما أرسل به من قرآن كريم، مؤلف من حروف، وألفاظ، وكلمات، تقع فى أساليبهم، ومن جملة ما يتكلمون به وينطقون، ولكنهم مع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
بان عجزهم، وظهر تهافتهم إزاء ما يلقى على أسماعهم، وما يقوله محمد لهم، وما يدعوهم إليه من تحدّ واضح، فكان منهم ذلك الاتجاه إلى لون آخر من الاتهامات التى لا تقف على قدمين، ولا يساندها دليل من عقل وفكر، من أنه اكتتب هذه الكلمات، فهى تملى عليه بكرة وأصيلا.
هذه عناصر مجمعة لتلك الخصائص التى تتميز بها تلك المعجزات التى كانت سندا لرسل الله فى هداية أقوامهم، وتبصرتهم بما فيه صلاح الأمر من العقائد، والمعاملات، والعلاقات الاجتماعية والروحية التى تربط بين الناس، وكان لهذه المعجزات تأثيرها فى القوم ما بين مصدق بها ومكذب.