بقوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ؛ لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم، لم يكن إلا جسما مركبا من عظم، ولحم، وعروق، وأعصاب، وأخلاط، وغير ذلك، مما يدل على أنه مصنوع ومؤلف مدبر كغيره من الأجساد، فكيف يكون إلها، وخص الأكل بالذكر لأنه أصل الحاجات، والإله لا يكون محتاجا، وقيل: هذا كناية عن الحدث؛ لأن من أكل وشرب لا بدّ له من البول والغائط، ومن كانت هذه صفته، كيف يكون إلها؟ ثم لما أوضح الله تعالى لهم الأدلة فى أمرهما حتى ظهر كالشمس بعدهما عما ادعوا فيهما أتبعه التعجب بقوله سبحانه: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ على وحدانيتنا.
ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، أى يصرفون عن الحق مع قيام البرهان، وكان العطف ب ثُمَّ للتفاوت بين العجب من بيان الله للآيات على التوحيد، وبين العجب من إعراضهم عن هذا البيان، وأن إعراضهم أعجب.
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى غيره، يعنى عيسى، ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً، أى لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضر الله تعالى به من البلايا، والمصائب فى الأنفس، والأموال، ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم الله تعالى به من صحة الأبدان، والسعة، والخصب، وكل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع، فبإقدار الله تعالى وتمكينه.
وهذا دليل قاطع على أن أمر عيسى مناف للربوبية، حيث جعله لا يستطيع ضرا ولا نفعا، وصفة الرب تعالى أن يكون قادرا على كل شىء، لا يخرج مقدور عن قدرته تعالى، وإنما قال: ما فى حق من يعقل مع أن أصله يطلق على غير العاقل، نظرا إلى ما هو عليه فى ذاته فإنه، عليه السلام، فى أول أحواله لا يوصف بعقل ولا بشيء من الفضائل، وإنما ظهر على يديه من بعض المنافع، وإزالة بعض المضار بإقدار الله تعالى على ذلك وتمكينه إياه، فكيف يكون إلها؟ وكان التعبير ب ما تنبيها على أنه من جنس ما لا يعقل، بمعنى أنه فى ذاته لا يملك ضرا ولا نفعا إلا بتمليك الله له وإقداره كما بينا.
وهذا القدر مشترك بينه وبين غيره وأنه، عليه السلام، واحد من آحاد تلك الحقيقة، ومن كانت له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة، فبمعزل عن الإلهية، وبيان ذلك
وتوضيحه