* وتبعه فى ذلك الإمام ابن كثير فى تفسيره حيث قال: لكن يتأكد ذلك فى الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة وحجة من خص الأمر بالإنصات على الصلاة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» [1].
قلت: والجمع بين هذه الأقوال هو الراجح لدى وهو كون الاستماع والإنصات للقرآن الكريم يدور حكمه بحسب المقام الذى يقرأ فيه. فإن كان فى الصلاة، أو كان المقام الذى يقرأ فيه مقام قراءة للقرآن، كأن يكون الإنسان فى مقرأة مثلا وجب وتأكد الاستماع والإنصات.
أما ما عداها من الأحوال المختلفة التى يتنقل بينها الإنسان من عمل، أو حديث أهل، أو جلوس على طعام، أو ما شابه ذلك. فالاستماع، والإنصات بالمعنى الذى سبق الإشارة إليه يستحب ولا يجب. فلا يقل أحد: بأنه يجب على كل مسلم إذا سمع أحد يقرأ القرآن أن يشتغل بالاستماع وينصت إذ قد يكون القارئ يقرأ بمحضر صانع. فلو وجب عليه الاستماع لأمر بترك عمله، وهذا لا يصح بحال. والله أعلم.
ثم يسوق الله سبحانه وتعالى. لنا مشهدا من عالم الغيب وهو حكاية استماع نفر من الجن للقرآن ويصور لنا ما وقع فى حسهم منه من التأثر والخشوع. فتعالوا بنا ننظر ماذا قالوا ....
قال تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [2].
فإن أول ما قالوا حينما طرق القرآن أسماعهم أن تنادوا بالإنصات فكانت الاستجابة الطبيعية المستقيمة لسماع القرآن مع الإنصات له. اطمأنت قلوبهم إلى [1] صحيح مسلم بشرح النووى (ج 4، ص 131) من حديث أبى موسى الأشعرى. [2] الأحقاف: 29.