فصل فى بعض خصائص القرآن الكريم
إنه ما من نبى من الأنبياء إلا وأعطى ما مثله آمن عليه البشر من كلام الله الخاص وآياته المعجزات إلى من اصطفى من رسله غير أن آيات الأنبياء السابقين ومعجزاتهم كانت حسية وقتية يؤمن بها من عاصرها وشاهدها دون من نأى بهم المكان أو تأخر بهم الزمان، وكان التشريع فيها خاصا بفئة معينة وموقوتة بزمن معين، وقد ذكر القرآن الكريم من الكتب السابقة صحف إبراهيم وصحف موسى، وثلاثة كتب هى توراة موسى وزبور داود، وإنجيل عيسى.
وهذه الصحف والكتب السابقة جميعا قد داخلها التحريف والتبديل وليس فيها ما يجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى وممّا لا شك فيه أن للقرآن الكريم المنزلة العلية الرفيعة بين سائر الكتب التى تقدمته فى النزول، وتتجلى هذه المنزلة له بكونه شاملا لأصول الهداية البشرية مع احتوائه على أعظم منهج ربانى محقق لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، منهج حياة كامل ملحوظ فيه نواميس الفطرة التى تصرف النفس البشرية فى كل جوانب حياتها، وإعجازه أبعد مدى من كونه إعجازا فى النظم أو المعانى بل إعجاز عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به.
ولم لا. وهو يحمل رسالة الرشد البشرى الذى يخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل، ولله درّ من قال.
لا تذكر الكتب السوالف عنده ... طلع النهار فأطفئ القنديلا
والقرآن بهذه الطبيعة المنهجية صنع الأمة المسلمة أول مرة وبها يصنع الأمة المسلمة فى كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود بعد أن واراها ركام الجاهلية بما فيها من تصورات أوضاع وقوانين وأنظمة لا صلة لها بالإسلام [1]. [1] من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.