اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 89
الحاجة إلى التفسير:
ولهذا كانت الحاجة ماسّة إلى التفسير المفهم الذى تتّضح به المعانى والمقاصد بحسب مدارك البشر، وما تتّسع له عقولهم، وإن كان القرآن فى الحقيقة قد يسره الله للناس تيسيرا عجيبا وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17] فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم: 97] فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان: 58]، ولكنه بعد تبلبل الألسنة وفشو اللحن، وانتشار العامية، والبعد عن الفصحى، صار الناس فى حاجة إلى تفسير الألفاظ والتراكيب التى قد يغيب معناها عن أذهانهم، أو يخفى مدلولها عن إدراكهم، هذا مع أنّ القرآن الكريم هو دستور الدين والدنيا. وقد ضمنه الله من علومهما، وما يتصل بهما من المعارف ما تتفاوت فى إدراكه عقول الناس، وما لا يزال الزمن والبحث يكشف عن درره وجواهره، ويبين من غرائبه وعجائبه، سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
وسئل علىّ كرم الله وجهه: هل خصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أهل البيت؟ قال: لا، إلا فهما أوتيه رجل فى كتاب الله، وما فى هذه الصحيفة. وعرض عليهم صحيفة فيها بعض الأحكام [1].
ومن هنا نشأ علم التفسير بسيطا [2]، ثم ما زال الناس يتوسّعون فى شأنه حتى ورثنا مجموعة ضخمة من التفسير كان بعضها هداية ونورا، وكان بعضها موسوعات علمية فيها كل شىء إلا تفسير القرآن. [1] رواه أحمد (1/ 191، 197) والبخارى (111) و (3047) و (6903) و (6915) والترمذى (1412) والنسائى فى" المجتبى" (4744) وفى" الكبرى" (8682) وأبو داود (4530) وابن ماجة (2658) والبزار (714) وأبو يعلى (338) و (628) والبيهقى (8/ 28) والطبرانى فى" الأوسط" (5277) وعبد الرزاق فى" المصنف" (18507) عن أبى جحيفة. [2] يقصد الإمام بكلمة بسيطا هنا بمعناها الدارج بين الناس، وهو اليسير المختصر، وإلا فمعناها لغويا من البسط، أى: المد والتطويل.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 89