اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 519
[من دلائل الإيمان: الرضا بحكم الله ورسوله] (1)
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء: 65 - 68].
فى صدر هذه الآية الكريمة أمر من [الله] للمؤمنين أن يقوموا بالطاعة لله وللرسول ولأولى الأمر منهم، الذين يشاركونهم إيمانهم ويحرسون دينهم وعقيدتهم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وإلا انتفت عنهم صفة الولاية إذا خالفوا هذه القواعد، لأنهم حينئذ لا يكونون من المؤمنين.
ثم بيّن تبارك وتعالى أن الخلاف إذا وقع بين الراعى والرعية، أو بين ولى الأمر والمأمور ردّ ذلك الخلاف إلى الله ورسوله، إلى القانون العام إلى الدستور الخالد الذى تركه فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم كان الحكم فى ذلك الخلاف لذلك الدستور، فإذا قضى لأحد الفريقين لزمه القضاء.
هذه هى القاعدة المنطبقة التى يجب أن يسلّم بها كل مؤمن اعتقد صدق الرسول وأحقيّة القرآن سواء أكان حاكما أو محكوما.
ولكن قوما مرضى القلوب من المنافقين أبوا هذا التسليم، ولجأوا إلى أحكام الجاهلية وتمرّدوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، واعترضوا عليه، فعاتبهم الله عتابا مريرا، وبيّن أن ذلك لا يتفق مع الإيمان، فذلك قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء: 60]، وبيّن أن ذلك هو النفاق الذى يورث الصدود عن [2] الهدى، وبيّن أنهم إنما ينزلون على حكم الله ورسوله إذا كان مفيدا لهم موافقا لأهوائهم، أما إذا كان فى كبح جماح شهواتهم فلا.
(1) نشرت فى مجلة (النذير) فى العدد (21) من السنة الثانية الصادر فى 22 من جمادى الأولى سنة 1358 هـ. [2] كتبت فى المقال على والصواب ما أثبته ولعله من خطأ الطباعة.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 519