اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 415
بصائرهم لاستيعاب أدلته والنظر فى حججه وبراهينه، حتى يترقوا من هذا التسليم إلى غايته وحقيقته، ولهذا كانت المعجزة من لوازم الرسالة، ولا يكابر فى هذا إلا جاهل بطبائع الناس، أو ممارئ لحقائق الأمور.
3 - موقف الناس من المعجزات:
أنكر كثير من المرتابين المعجزات قليلها وكثيرها، ما تقدم منها وما تأخر، بحجة أنها تخالف النواميس الكونية ولا تتفق مع نتائج البحوث العلمية، وقد يحتج بعضهم بقول الله تبارك وتعالى: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر:
43]، وقد يلجأ بعضهم إلى تأويل ما ورد من النصوص القرآنية، مشيرا ومصرحا بهذه المعجزات والخوارق.
وهؤلاء جاحدون جامدون متعسفون متكلفون، ولا دليل لهم فيما ذكروا، فإن نواميس الكون- التى علمها الناس- ليست هى كل شىء، ولا زالت هناك نواميس لم تعرف بعد، ولعلها أكثر مما عرفوا، بل إنها لكذلك، ونتائج العلم الحديث لا تزال تترقى وتتغير وتتبدل بحكم ترقى الفكر والإنسانى وتقدمه، والآية الكريمة حجة عليهم لا لهم، فقد علمنا بحكم الواقع: أن من نواميس الله خرق النواميس الكونية لتأييد رسله وأنبيائه، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]، وكثير من أمثال هذه العجائب تقع بين ظهرانينا، ولا يقال: إنها خرق لنواميس الكون، والآيات الواردة بهذه المعجزات فى صراحتها ووضوحها لا تحتمل التأويل إلا من متلاعب باللفظ، صارف له عن مدلوله صرفا تاما، فضلا عن أن هذا التأويل لا موجب له بعد ما بيناه.
وفريق ثان سلم بالمعجزة من حيث هى، وبوقوعها فى الأمم السابقة على يد الأنبياء السابقين صلوات الله وسلامه عليهم كما ورد ذكر ذلك فى القرآن، ولكنه نفاها فيما يتعلق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته نفيا تاما، واحتج لذلك: بأنها لم ترد فى القرآن، وبتصريح القرآن برد الكفار عن مقترحاتهم هذه مع عدم إجابتهم إليها، حتى ورد ذلك صريحا فى نحو الآية الكريمة: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الإسراء: 59]، وجرحوا ما جاء فى ذلك من الأخبار الصحيحة، وأولوا ما رأوا أنه يحتمل التأويل منها، وقالوا: إن المعجزة الكبرى لنبينا صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، واستدلوا لذلك بما قدمنا من حديث
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 415