[حكمة عدم تلبية القرآن لمطالب المشركين من الرسل]
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمات جميعا: الرد على مقترحاتهم هذه بما يفحمهم ويلجمهم، وبينت أن السبب فى عدم إجابتهم: ليس العجز عنها، فإن الله على كل شىء قدير، وإنما السبب فى ذلك اعتبارات جليلة وحكم سامية وردت منثورة فى هذه الآيات، وهذه هى حكمة تكرارها وورودها فى سور كثيرة، ومن هذه الاعتبارات والحكم التى تقتضى عدم إجابتهم إلى ما سألوا:
1 - بيان أن ذلك ليس من مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم دعاة هداية وأساتذة إرشاد، يبينون للناس الحق ويدعونهم إليه، فمن اهتدى فقد فاز، ومن أبى فقد خسر، وليس من مهمة الرسل ولا من وظائفهم التصرف فى نواميس الكون ونظمه، فذلك لله وحده إن شاء ذلك فهو على كل شىء قدير، وإن لم يرده فلا قدرة لأحد عليه، وقد أشير إلى هذا فى الجواب عليهم فى كثير من الآيات السابقة مثل قوله تعالى: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [يونس: 20]، إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7]، قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ [الرعد: 27]، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [العنكبوت: 50]، قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنعام: 37].
وإنما آثر وصف الإنذار للرسل فى هذه الآيات الكريمة- مع أنهم صلوات الله عليهم مبشرون ومنذرون كما جاء فى آية النساء [الآية: 165] رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ- لأن هذا الوصف هو الأليق والأخلق بهذه النفوس العنيدة والرءوس الصلبة، التى تأبى الإيمان إلا أن تقسر عليه قسرا، فالمقام يقتضى هذا الوصف، ولهذا أفرد بالذكر دون الوصف الثانى وهو التبشير لأنه مقتضى المقام، وهذا المعنى هو الغالب على النفوس البشرية أن تقاد بالقهر والتخويف أكثر مما تقاد بالحب والتبشير.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 409