اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 361
بالكمالات كلها، لا يلحقه نقص، ولا يناله قصور، جل ربنا عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
يسوق القرآن كل ذلك ليكون سبيلا إلى معرفة الخالق والإيمان بالله. وفى الوقت الذى يقصد فيه إلى هذا المعنى نجد أن فى ذكر هذه المخلوقات، ولفت الأنظار إليها، ومطالبة الناس بالتفكير فيها، والتصريح بعلو منزلة العلماء بها دفعا بكل مؤمن أن يتعلم وأن يحيط بأسرار هذا الكون العجيب.
ذلك مع الإشارات اللطيفة إلى بعض الحقائق الدقيقة التى تعنو لها عقول الخاصة، وتنحنى أمامها هام الفطاحل من الراسخين فى العلم، يتلوها عليهم أمى كريم لم يدخل جامعة، ولم يتعلم فى مدرسة، كذكر ناموس التلقيح: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الحجر:
22]، وذكر ناموس التقدير فى المخلوقات: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49] وغيرها من النواميس.
والعجيب فى شأن القرآن الكريم أنه حين عرض لهذه المكونات ساق الكلام عنها فى مساق غريب، وأسلوب مدهش معجز حقا يساير تمام المسايرة الإدراك الفطرى،
ويتفق تمام الاتفاق مع التحليل العلمى والبحث الفلسفى المنطقى، فهو يجمع بين الشعر والمنطق، ويغذى العاطفة والعقل، ويرقى الشعور والفكر، ويستولى على الإرادة كل الاستيلاء، ويفيد هذا وذاك الأثر المقصود، والعزة المنشودة، وذلك من أسرار الإعجاز التى انفرد بها القرآن الكريم، وامتاز بها كلام الخالق العليم عن كلام المخلوق القاصر العاجز.
تقرأ مثل قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام: 125]، فتصور هذه الآية الكريمة فى النفس العادية ذلك المعنى الفطرى السهل، وتمثل لها ذلك الضال رجلا منهوكا متعبا قد بهرت أنفاسه، وتقطع نياط قلبه مما حمل من أعباء الضلال، كأنما عليه أن يقاسى فى مرارة متجددة هول صعود السماء، والآية بهذا المعنى الفطرى تحدث فى تلك النفس العامية ما قصدته إليه من تأثير فى تقبيح صورة الضلال والإبعاد عنه. وهذه الآية نفسها تثير فى النفس العلمية ذلك المعنى الكونى الذى أيده البحث وأثبته العلم من تخلخل طبقة الهواء كلما علا الإنسان عن سطح الأرض، وفناء عنصر الأوكسجين،
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 361