اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 358
له من خلقه مزاج، ولا فى فعله علاج، باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم، إن قلت:
متى؟ فقد سبق الوقت كونه. وإن قلت: هو. فالهاء والواو خلقه. وإن قلت: أين؟ تقدم المكان وجوده، معرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه، ما تصور فى الأوهام فهو بخلافه، فالذى يظفر الوهم به يرتقى التصوير إليه، لا تماقله [1] العيون، ولا تقابله الظنون، علوه من غير توقل [2]، ومجيئه من غير تنقل (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)».
(الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) يحسن قبل الكلام عن رفع السماوات وما يليه من آيات الكون فى هذه الآيات البينات، أحب أن ألفت النظر إلى أصلين مهمين:
(أولهما) حكمة ذكر المظاهر الكونية فى القرآن الكريم.
(وثانيهما) معرفة مدى ما وصل إليه العقل الإنسانى فى تعرف حقائق هذه المظاهر.
لماذا تذكر هذه المظاهر الكونية فى القرآن الكريم؟
جاء فى القرآن الكريم ذكر السماوات والأرضين والشمس والقمر والسحب والأمطار والنبات والحيوان وعجائب الخلق وغرائب المكونات فى كثير من المواطن، فهل يريد القرآن بهذا أن يتناول هذه النواحى بالتحليل العلمى، فيوضح للقارئين ماهيتها وكنهها وعناصرها وأجزاءها، ويبين لهم طبائعها وخواصها، ويكشف لهم عن أسرار نواميسها، وحقيقة قوانين سيرها ووقوفها ونموها وضعفها؟ أم أن القرآن الكريم يعرض لكل هذه الظواهر الكونية لغرض آخر غير هذا التحليل العلمى، ويدع هذا التحليل لوقته والظروف الملائمة له عند ما تتهيأ العقول البشرية لقبوله وإدراك غوامضه وأسراره؟
لا شك أن القرآن الكريم لم يجئ ليكون كتاب فلك ولا هيئة ولا كيمياء ولا هندسة [1] تماقله: أى تراه، وهى من المقل: أى النظر. ومقله بعينه يمقله مقلا: نظر إليه؛ ويقال: ما مقلته عينى منذ اليوم. وحكى اللحيانى: ما مقلت عينى مثله مقلا. أى ما أبصرت ولا نظرت. انظر: لسان العرب (11/ 627). [2] توقل: أى صعود. والواقل: هو الصاعد بين حزونة الجبال، وكل صاعد فى شىء متوقل. ومنه قول عمر:
لما كنت يوم أحد، كنت أتوقل كما تتوقل الأروية. أى أصعد فيها كما تصعد أنثى الوعول. انظر: لسان العرب (11/ 733).
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 358