اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 356
وقل مثل ذلك فى نفى التثليث وغيره من عقائد الأمم السابقة جميعا.
خامسا: تقوية الصلة بين الوجدان الإنسانى والخالق، حتى يصل الإنسان بذلك إلى نوع من المعرفة الروحية هو أعذب وأصدق أنواع المعرفة جميعا، وذلك أن الوجدان الإنسانى أقدر على كشف المستورات غير المادية من الفكر المحدود بقيود المادة والأرقام، فالإسلام كثيرا ما يخاطب الوجدان، ويستثير الخواص النفسانية الكامنة فى الإنسانية لتتصل بالله تبارك وتعالى وتسمو إلى حظائر الملأ الأعلى.
يقول القرآن الكريم: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] وفى ذلك يقول أحد الفلاسفة الكونيين: «إن ضمائرنا تشهد لنا بوجود الله قبل أن تشهد به عقولنا».
ويصور القرآن هذا المعنى فى الآية الكريمة وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً [الإسراء: 67].
هذه الصلة الخفية بين الضمير الإنسانى وبين الخالق التى تبدو فى غاية الوضوح والجلاء عند الشدائد التى تنقطع فيها الآمال، هى التى يعمل الإسلام كثيرا على أن تكون ضوءا يتعرف به الإنسان خالقه العظيم سبحانه وتعالى.
سادسا: مطالبة المؤمنين بأن تظهر عليهم نتائج هذه العقائد العملية، فالمؤمن إذا اعتقد أن ربه قادر كانت نتيجة هذه العقيدة العملية أن يتوكل عليه ويلجأ إليه، وإذا اعتقد أنه عالم راقبه واستولت عليه خشيته، وإذا اعتقد أنه عظيم عظمه فخافه وأحبه وهكذا.
وقد أشارت إلى ذلك الآيات الكريمة فى كثير من المواضع، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 2 - 4]. والآيات فى هذا المعنى كثيرة فى كتاب الله تبارك وتعالى، وكل عقيدة لا تنتج أثرها، ولا تحمل صاحبها على مستلزماتها، فهى عقيدة واهية ضعيفة لا تؤدى إلى الإيمان الكامل الصحيح.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 356