اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 212
مميزاته فى الدنيا والآخرة، وليس بين الموتين فارق إلا أن الشهيد ينجو من فتنة الموت إذ فتن ببارقة السيوف، وينجو من السكرات إذ رآها رأى العين، أما غيره فيتذوق
هذه السكرات، وتعترضه الفتّانات، ولذا كان الجهاد أولا وأخيرا يلى الإيمان فى فرائض هذا الدين، ويحتل منهما ذروة السّنام وكفى.
أفلست بعد ذلك ترى أنّ المسلم جندىّ بطبعه، وترى الافتراض واضحا صريحا فى قوله تعالى: (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والأمر للوجوب، قال قوم منهم أبو جعفر الرازى: إنّ الفريضة فى هذه الآية قتال من قاتلنا فهى فريضة دفاعية، وأن سورة براءة زادت على هذه الآية أن نقاتل للدعوة، فأتت بالفريضة الهجومية أيضا، واستدل لرأيه هذا بظاهر لفظ الآية: (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [1].
وقال غيره: كلا بل الأمر فى الآية الكريمة عام يشمل الدفاع والهجوم معا، وأن قوله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) إغراء وتهييج وذكر لبعض أسباب القتال، وأن ما جاء فى براءة وغيرها مؤكّد لهذه الآية لا مجدّد لحكم زائد.
ومهما يكن من شىء، فقد اتفق الطرفان على أن القتال واجب فى الدفاع وفى الهجوم متى توفرت أسبابه الشرعية.
إلى هنا نقول لمن يريدون طبع الأمم على التربية العسكرية: هذا حظكم الذى تنشدون، ولن تجدوا تشريعا يساعدكم على تحقيق غايتكم كهذا التشريع الذى يجعلها فريضة لا فكاك منها، إلى ما يمتاز به من قداسة ونور وبرهان.
ولماذا يقاتل المسلم؟
أيقاتل المسلم طلبا للعسل واللبن كما قاتلت الجنود الصليبية فى القرون الوسطى؟
أم يقاتل طلبا للبترول والفحم والأسواق والخبز والمأوى كما تقاتل جنود الغرب الآن؟
أم يقاتل عتوّا وتجبّرا وطغيانا وخيلاء كما حارب نابليون بجنوده قيصر روسيا؟
كلا. المسلم لا يقاتل لهذه الأغراض أبدا، ولكن المسلم حين يقاتل، يقاتل لله. [1] انظر: تفسير الرازى (5/ 138) طبعة دار الفكر.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 212