اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 207
ضاق الأمر بأحد القواد، وهمّ بالفرار، وعظم عليه الأمر فى أحد المواقع فما ثبته إلا أبيات ابن الأطنابة:
أبت لى همتى وأبى بلائى ... وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإقحامى على المكروه نفسى ... وضربى هامة البطل المشيح
وقولى كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى
لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمى بعد عن عرض صحيح
والصبر من لوازم العقل، ومن نتائج حسن النظر فى الأمور، فما دام الجزع لا يرد فائتا، ولا يحيى ميتا، ولا يغيّر من الواقع شيئا، فأخلق بالعاقل أن يتحمّل ويتجلّد، وإليه الإشارة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتاب له إلى معاذ بن جبل يعزيه فى ابن له توفى ما معناه:" إن ابنك كان من عوارف الله المستودعة لديك، وقد استرد الله وديعته، وكتب لك إن صبرت عظيم الأجر، فلا تجمعن عليك مصيبتين: فقد الابن، وفقد الأجر" [1].
والعارفون يرون الصبر وسيلة إلى رفع الدرجات، وامتحانا ينتقل به الصابر من منزلة إلى أخرى أرقى منها وأعظم، فهم لا يعرفون الجزع، ولا يدركون معنى الفزع.
لا تهتدى نوب الزمان إليهم ... ولهم على الخطب الشديد لجام
وهم يرون البلايا والمحن والفاقات وسائل العطايا والمنن ورفع الدرجات، ويعتقدون أنها أقل أى برهان يعرب به المحب عن حسن استعداده للقرب، ويقول قائلهم فى ذلك:
يخفّف ألم البلاء عليك: علمك بأنه تعالى هو المبتلى لك، فالذى واجهك من الأقدار هو الذى أشهدك حسن الاختيار" [2] وما أحسن قول منشدهم:
تلذّ لى الآلام إذ أنت مسقمى ... وإن منحتنى فهى عندى صنائع
" وبعد" فالصبر مفتاح من مفاتيح الخير تتنزل به كنوز الأجر الجميل، وسحابة من [1] لم أقف على أصله. [2] من حكم ابن عطاء الله السكندرى.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 207