اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 106
فما كان من القسم الأول فلا شك أن ما أشار إليه القرآن الكريم منه يوافق كل الموافقة، ويطابق كل المطابقة، ما عرفه العلماء الكونيون، حتى إنه من الحق أن يقال: إن ذلك من إعجاز هذا الكتاب الذى جاء به أمى لم يتعلم فى مدرسة، ولم يلتحق بجامعة من الجامعات! ومن أمثلة ذلك: إشارته إلى أطوار الجنين، وتلقيح الرياح، وتكون السحاب وصلته بالرياح إلخ ...
وما كان من القسم الثانى: فمن التجنى وظلم الحقيقة أن يوازن بينه وبين ما جاء فى القرآن الكريم. فلننتظر حتى يطمئن العلم الكونى إلى ما بين يديه، ويؤمن العقل الإنسانى بما وصل إليه. ثم ننظر على ضوء هذا الإيمان إلى النص القرآنى ولن نجدهما إلا متعاونين على تثبيت دعائم الحقيقة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53].
ومن هذا القبيل: ما يتصل بنشأة الإنسان، وحقيقة الحياة، وبدء التكوين، وصلة الأرض بالسماء، على أنه من عجيب أمر هذا القرآن: أنه حتى فى مثل هذه المواطن يسوق التعبير سوقا عجيبا معجزا فى مرونة عبارته ودقّة إشارته، حتى إنه ليساير بحق تطوّر العقل الإنسانى فى كل زمان ومكان.
وتأمّل تصويره لنهاية العالم المادى، ووصفه للقيامة وآثارها، فيه ترى أنه أتى فى ذلك بالعجب العاجب! وهنا المزلق. فإن كثيرا من الكاتبين فى هذه المعانى، والناظرين إليها، يكتبون وينظرون وقد آمنوا إيمانا لا شك فيه بصحة هذه الفروض العلمية، واعتبروها حقائق بدهية مقرّرة لا نقص فيها ولا إبرام، وهم مع هذا الخطأ لا يكلفون أنفسهم دقة النظر فى نصوص القرآن، ولطف التركيب فى عباراته، وسر الوضع فى ألفاظه، فيتورّطون فى الحيرة أحيانا، وفى التكذيب أحيانا أخرى.
فما دام (داروين) [1] عندهم قد قرّر: أن الإنسان لا بدّ أن يكون مشتقّا من حيوان [1] تشارلز داروين: عالم طبيعة إنجليزى، ولد سنة 1809 م، وتوفى سنة 1882 م، صاحب نظرية التطور فى الأجناس الحية، قال: إن ذلك نتيجة اختيار طبيعى لصالح الأجناس الأكثر أهلية للبقاء، له مؤلف
نشر فيه رأيه، وهو (أصل الأنواع). انظر: المنجد فى الأعلام ص 238.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 106