اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 105
وتقرير قواعدهما فى النفوس والمجتمعات، وتعريض لمعانى كتاب الله تبارك وتعالى لاختلاف الآراء، وتضارب المقررات العلمية، واختلاف أقوال العلماء، ولهذا كره بعض السّلف هذا المعنى وأشار إليه، كما فعل الشاطبى فى الجزء الثانى من (الموافقات)، وناقشه مناقشة دقيقة خلص منها إلى" أنّ القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء من هذه العلوم، وإن كان قد تضمّن علوما هى من جنس علوم العرب، أو ما ينبنى على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة دون الاهتداء بإعلامه، والاستنارة بنوره أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا" [1].
ومن المقرّر كذلك: أن القرآن قد تعرض لكثير من مظاهر هذا الوجود الكونية، فتناول خلق الإنسان، وتكوين الأرض والسماء، وجريان الشمس والقمر، وتسخير الكواكب والنجوم والأفلاك، وتراكم السحاب، ونزول المطر، وظاهرة الرّعد والبرق، ونمو النبات وتنوع أصنافه، وعجائب البحار، وأعلام الطريق، والجبال الرواسى على هذه الأرض، وأطوار الأجنّة فى بطن أمهاتها، إلى غير ذلك مما يتناوله علماء الكون بالتمحيص والبيان، وما هو موضوع بحوثهم ومحل عنايتهم وتجاربهم.
وكثيرا ما تختم هذه الآيات بالحثّ على التعقّل والتفكّر والنظر والتدبّر. وإشارة إلى أن القرآن الكريم لم يقصد بهذا التعرض تقرير أصول هذه العلوم أو تناول فروعها.
ولكنه إنما قصد إلى الهداية، وتوجيه الأنظار والنفوس إلى ما تدل عليه من عظمة الخالق وفائدة المخلوق.
ولكن الذى لا يمكن أن يكون محل نزاع هو أنّ القرآن حين أشار إلى هذه النواميس الكونية والمظاهر الوجودية المادية، كان من دقة التعبير وصدق التصوير بحيث لا يمكن أبدا أن يصطدم بما يكشف العقل الإنسانى عنه فى أطواره المختلفة من حقائق هذه العلوم ومقرراتها، وخصوصا إذا لاحظنا أن هذه المقررات العلمية تنقسم إلى قسمين: قسم تظاهرت عليه الأدلة، وتوافرت الحجج حتى كاد يلحق بالبديهيات، وقسم لا زال فى طور البحث العلمى، وكل الذى بين يدى العلماء الكونيين منه فروض تؤيّدها بعض القرائن التى لم ترق إلى مرتبة الأدلة القاطعة أو الحجج المقنعة. [1] انظر: الموافقات للشاطبى (1/ 389، 390) تحقيق الشيخ عبد الله دراز طبعة دار المعرفة- بيروت.
اسم الکتاب : نظرات في كتاب الله المؤلف : حسن البنا الجزء : 1 صفحة : 105