responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب    الجزء : 1  صفحة : 78
عليه» [35].
وقد كثرت هذه الصورة البلاغية في القرآن الكريم في التعبير عن الندم، والحسرة، والكرب، والأهوال، والإعراض، والعطاء، والشح، والإمساك، والجماع، والعفة، والطهر، وغير ذلك من المعاني المذكورة في القرآن الكريم.
ومن ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الحج: 1 - 2.
فالصورة الكنائية هنا تعبر عن ذهول الناس، وفزعهم من مشهد زلزال الساعة بحيث يبلغ الذهول مداه في فقد السيطرة على النفس والإدراك من هول المشهد وعنف الزلزلة، والتعبير بالمرضع والحامل، يمثل منتهى الذهول، وفقد السيطرة على الأعصاب.
وقريب من هذا قوله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس: 34 - 37. ففي هذه الصورة نلاحظ فرار الانسان من أقرب الناس إليه، وانشغاله بنفسه عمّن سواه بخلاف الصورة الأولى، حيث رأينا الذهول من زلزلة الساعة أفقدهم الوعي والإدراك، من شدة المفاجأة. والصورتان تعبّران عن الهول والكرب، ولكنّ صورة الفرار تعقب الصورة الأولى المجسّدة للذهول وقت مفاجأة الساعة لهم. فالذهول أفقدهم الوعي. فتسمّروا واقفين جامدين، ثم انطلقوا هاربين كلّ يفكّر بنفسه ... وهكذا نلاحظ العلاقة بين الصور القرآنية لتأدية المعاني أو الحالات النفسية، ضمن نظام العلاقات السياقية الملحوظة في التعبير والتصوير على حدّ سواء.
ونظام العلاقات المترابطة ملحوظ في بناء الكون والإنسان والحياة لتكوين الوحدة المنسجمة من هذه الأجزاء في النهاية، كذلك ملحوظ، في الصورة القرآنية القائمة على نظام العلاقات المترابطة بين الجوانب التعبيرية والتصويرية والفكرية، أو بين الصورة في بنائها، والصورة في وظيفتها.
ويرجع الإعجاز الإلهي أيضا إلى نظام العلاقات المتناسقة في الخلق والتكوين، ونظام العلاقات المتناسقة في القول والتصوير في القرآن الكريم، لأن المصدر واحد وهو الله

[35] دلائل الإعجاز: ص 66.
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست