اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 77
وقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ... يوسف، 82، فالدال هنا القرية، والمدلول أهلها، وبين الدال والمدلول علاقة ارتباط وتفاعل، لأن ذكر القرية يذكّر مباشرة بالمدلول أهلها. وكذلك العير وأصحابها، ولكن الدلالة المجازية هنا لها قيمتها الفنية والفكرية، في إثبات أن السرقة عمّت وانتشرت حتى شملت القرية كلّها، لذلك عبّر ب «القرية» و «العير» للإيحاء بشمول الخبر، وشيوعه حتى لو سئلت الجمادات والحيوانات عنه لنطقت به.
وهكذا تتجه دراسة الدلالة المجازية في القرآن من خلال العلاقة بين الدال والمدلول، وارتباطهما بالسياق العام للآيات، لأداء المعاني الدينية، وإنّ أيّ إجراء بلاغي، يفصل الصورة عن سياقها، يضرّ بفهم الصورة القرآنية وما فيها من إعجاز في التعبير والتصوير، ووحدة وانسجام وتناسق مع السياق، والغرض الديني المقصود من التصوير، وهذا ينطبق على دراسة التشبيه والاستعارة أيضا كما وضحنا سابقا، كما ينطبق أيضا على «المجاز العقلي» القائم على علاقة إسنادية ملحوظة في التعبير، فقوله سبحانه وتعالى: «عِيشَةٍ راضِيَةٍ» القارعة: 7 يقوم الإسناد المكون من الدال والمدلول في رسم صورة بديلة عن الإسناد الحقيقي «عيشة مرضية» للإيحاء بالرضا الملازم للعيشة، والمتحد بها، وكأن العيشة والرضا أصبحا شيئا واحدا، لا ينفصلان. بخلاف التعبير ب «عيشة مرضية» فإن الرضا يبدو منفصلا عنها، ومحدودا.
وفي قوله تعالى: وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأنعام: 6 نلاحظ أن إدراك المدلول «المياه» يتم من خلال إسناد الجري للدال الْأَنْهارَ ولكن العلاقة قوية بين الدال والمدلول في الذهن، لما بينهما من التجاور والارتباط، والتعبير القرآني يستغل هذا الارتباط بين الاثنين، للإيحاء بأن الأنهار كلها تفيض مياها وخصبا ونماء. و «الكناية» أيضا من الصور البلاغية التي تقوم على الدال والمدلول معا، فهي تعبير غير مباشر عن المعنى ولا يمنع المدلول المقصود من التعبير من إرادة الدال القريب منها ولكنها تعتمد على إخفاء المدلول البعيد وستره بالدال القريب الذي يومئ للبعيد، ويوحي به، يقول عبد القاهر الجرجاني في تعريفها: «أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه، ويجعله دليلا
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 77