اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 434
يمتلئ حبا للناس والتعاون معهم على الخير والعمل المثمر.
وقد صوّر القرآن هذا التعامل الاجتماعي بين الصحابة، وما فيه من حبّ وإيثار وعطاء وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الحشر: 9.
كما أنّ وحدة الصف، بتراصّ أفراده وتعاونهم صورة يحبها الله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصف: 4.
وصور الإنفاق كلّها صور توثق الصلة بين النزعة الفردية والجماعية، وتقيم التوازن بينهما. كما أن التصوير القصصي في القرآن يرسم نماذج إنسانية في أداء الواجب
الاجتماعي، وأعلى هذه النماذج الأنبياء الذين كانوا يقومون بدور كبير في هداية الناس، وإصلاح المجتمع.
وعرض هذه الصور في القرآن توحي للإنسان بواجبه تجاه الناس، أو تجاه مجتمعه.
وبذلك تؤدي الصورة وظيفتها النفسية في صياغة الإنسان وبنائه بناء سليما متكاملا.
فالوظيفة النفسية تتعدى التأثير النفسي المحدود، إلى تجميع هذه الاتجاهات النفسية، وإقامة الروابط بينها، وتوحيدها على قاعدة التوازن النفسي، بحيث تتحقّق الوحدة في داخل النفس فتتوحّد هذه المشاعر أو الاتجاهات، لتسير في اتجاه واحد مرسوم.
وبهذا تتحقّق وحدة النفس وتوازنها، واستقامتها، ولا تبقى مجرد مشاعر مبعثرة أو اتجاهات متناقضة؛ فتتناسق حركة النفس، مع حركة الكون والحياة، وفق منهج الله.
وهذه ميزة الصورة القرآنية التي تؤدي وظيفتها ضمن وحدة الغرض الديني، ووحدة الطريق المستقيم، فلا تبقى النفس ممزّقة الاتجاهات فيها، كلّ يشدّها في اتجاه دون الآخر فتظل في قلق واضطراب وحيرة.
فالتوازن النفسي في الكيان الإنساني الموحّد، هو هدف الوظيفة النفسية في الصورة القرآنية، ولكنها تصل إلى هدفها هذا عبر وسائل شتى، للتأثير والإثارة النفسية، ولكنّ هذه المشاعر المثارة بالصورة تتوحّد، في اتجاهات متوازنة، لتعمل عملها بانضباط ونظام.
وتنطلق الصورة القرآنية في هذا من طبيعة الإنسان المزدوجة، وتميّزه عن بقية المخلوقات بالقدرة على الاستجابة الشعورية، مع ضبطها، والتحكم في توازنها.
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 434