اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 431
الفطرة الإنسانية بما تدركه الحواس، وما لا تدركه، لتنمو الطاقة الحسية والطاقة المعنوية في الإنسان.
ثم إنّ الصور الحسية، تدفع الإنسان إلى التأمل والتفكير بهذا الكون المحسوس، لمعرفة أسراره، والوصول من خلاله إلى خالقه سبحانه وتعالى، فالله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام: 103.
كما أنّ الصورة الحسية في القرآن ليست منفصلة عن وظيفتها الدينية التي تغذّي الطاقة المعنوية فيه، يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ النور: 43 - 44.
فالصورة هنا تلحّ على الجانب الحسّي بفعل الرؤية الحسي أَلَمْ تَرَ ولكنها تجعل العبرة هي المقصودة من هذه الصور الحسية لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ لتنمي الجانب المعنوي الموجود في فطرة الإنسان ثم إن الصورة لا تفصل بين المحسوس والغيبي في تشكيلها، فنحن نلاحظ التصريح بأن الله هو الذي جعل هذه الصور الكونية تعمل وفق إرادته وقوانينه.
وأساس غذاء الجانب المعنوي في الإنسان هو «الإيمان بالله» لأنّ الإنسان مادة وروح، وغذاء الروح هو الإيمان حتى تستقيم حياة الإنسان وتتوازن، كما هي طبيعته، وفطرته.
وعالم الغيب واسع مديد، يقابل العالم المحسوس أيضا.
وكما صوّر القرآن عالم الدنيا بما فيه من صور ومشاهد، كذلك صوّر لنا عالم الغيب بما فيه من صور ومشاهد مثل الملائكة والجن، والقيامة بأهوالها، والجنة بنعيمها، والنار بعذابها .. وكلّها صور تخاطب فطرة الإنسان بجانبيها الحسي والمعنوي.
فالصورة القرآنية تمزج في خطابها للنفس الإنسانية بين الحسي والمعنوي، ولا تفصل بينهما، لأنه لا يمكن الفصل بين المادة والروح في كيان الإنسان، كذلك لا يمكن الفصل بين العنصر الحسي والنفسي في الصورة.
وهي تمتدّ لترسم صورا غيبية لمخلوقات موجودة، ولكنّها غير محسوسة، مثل الملائكة
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 431