اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 430
فتستمتع الطاقة الحسية للإنسان بالتصوير الحسي للحقائق الدينية، كما تستمتع الطاقة المعنوية له من خلال امتزاج الحسي بالمعنوي في الصورة القرآنية.
وهذه ميزة الصورة القرآنية، فهي ليست صورة شكلية بل هي صورة لها وجهان، وجه حسي يقابله وجه معنوي. وهما متلاحمان ممتزجان لتلبية الطاقة الحسية والمعنوية في الإنسان.
والطاقة المعنوية هي ميزة الإنسان عن بقية المخلوقات، تمنحه القدرة على الإدراك والتفكير والعمل.
والصورة تشبع هذا الجانب في الإنسان، بعرض حقائق الحياة والوجود، وحقائق الدين والإيمان والعقيدة، وحين تتشبع النفس بالعقيدة والإيمان والعبادة، تقوى وتنشط للعمل في الحياة.
فهذه الطاقة المعنوية قوة إيجابية للإنسان، تدفعه للعمل في الحياة بحماسة وعزيمة، والتعامل مع الواقع على أسس الإيمان، ولا تجعل الإنسان سلبيا في مواقفه من الحياة والواقع.
وفرق كبير بين الخضوع للواقع بما فيه، وبين التعامل معه، لإصلاحه وتوجيهه، وتعميره وبذلك يرتبط الحسي بالمعنوي في النفس والحياة معا، فهما متلازمان في الطبيعة البشرية المزدوجة من مادة وروح وأيّ خلل بين الحسي والمعنوي في الكيان الإنساني يؤدي إلى تدميره، وإخراجه من صورته الإنسانية إلى صورة أخرى. كما ورد ذلك في تصوير الذي انسلخ من آيات الله، وأخلد إلى الأرض، متّبعا هواه وشهواته. يقول تعالى فيه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ، وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ الأعراف: 175 - 176.
وإذا استعرضنا الصور القرآنية نلاحظ فيها امتزاج الحسي بالمعنوي، في مخاطبة فطرة الإنسان، كقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى الرعد: 2.
فالصورة الكونية الحسية، تتجاور في التعبير مع الصورة الغيبية، لكي يتمّ مخاطبة
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 430