اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 371
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ، قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ، وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ، أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ الصافات: 50 - 61.
فهذا المشهد، يصوّر حديث أهل الجنة الهادئ السامر، يتحدثون عن ماضيهم بكل ما فيه من صور ذهنية مختزنة في ذاكرتهم عن أشخاص معينين، ومواقف، وأحداث.
والمشهد حيّ شاخص، فيه الحوار الدائر بين الأشخاص، وفيه الذكريات، والحركة، والانتقال من مشهد النعيم إلى مشهد العذاب، كذلك فيه الحوار الدائر، بين صديقين في الدنيا، أحدهما من أهل الجنة والآخر من أهل النار، فيه تذكير بالمواقف والأفكار.
وهذا المشهد يكشف عن مجالس أهل الجنة الهادئة وما فيها من سمر وطمأنينة، ويرفع الستار عن المشهد، وفيه واحد منهم يقصّ على أصحابه ماضيه، وذكرياته مع صديق له، ثم فجأة ينتقل المشهد إلى صاحبه في النار، ثم يبدأ الحوار بين رجل الجنة وقرينه. وتتّضح المواقف، والحقائق ثم يسدل الستار.
ويصوّر القرآن مشاهد الحوار بين أهل الجنة وأهل النار، لتوبيخ أهل النار وتبكيتهم، وإظهار نعمة الله على أهل الجنة، يقول تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الأعراف: 44.
كما يعرض القرآن الكريم صورة لأهل الجنة وهم يسخرون من أهل النار. قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ، وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ، فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ، هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ المطففين: 29 - 36.
وهنا يتقابل مشهدان، مشهد الماضي، وفيه يعرض موقف المجرمين من أهل الإيمان وسخريتهم منهم، واتهامهم بالضلال والغباء ونحو ذلك وعرض هذا المشهد الماضي في مشاهد القيامة والإطالة فيه، يقصد به تذكير المجرمين بأفعالهم وأقوالهم. وفي المشهد الثاني المقابل، تتغيّر فيه صورة الماضي فالمؤمنون هم الذين يسخرون من المجرمين، ويضحكون
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 371