اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 370
عقل الإنسان، وخياله للمزيد من هذا النعيم.
وهذا النعيم المادي، يختلف عن نعيم الدنيا من حيث الطعوم وغيرها من ناحية، ولأنّه يقدّم للإنسان بدون جهد منه من ناحية أخرى، بالإضافة إلى خلود هذا النعيم، وعدم انقطاعه.
وهناك أيضا النعيم المعنوي ويتمثّل في مجالس أهل الجنة، وما فيها من سمر وسرور، وأحاديث، وتزاور، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ، وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ، لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر: 45 - 48.
فأهل الجنة متحابّون، أصفياء، لا غلّ في صدورهم، ومجالسهم، كلّها سرور ونعيم، ليس فيها لغو الحديث، ولا الكذب، مما كان يكدّر مجالس الدنيا، أو ممّا هو معروف عن
مجالس أهل النار.
قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النبأ: 35 - 36.
وهناك النعيم الأكبر، وهو لذّة القرب من الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ القمر: 54 - 55.
ويصوّر القرآن الكريم، مشاهد من مجالس أهل الجنة، وما يدور بينهم من أحاديث، وتذكّر الماضي في الدنيا زيادة في المتعة والنعيم. قال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ الطور: 25 - 28.
ومشهد أهل الجنة هنا، وهم يتبادلون الأحاديث والذكريات بهدوء وحبّ، يقابل مشهد أهل النار، وهم في خصام وجدال واتهام وشتائم ... وهذه طريقة القرآن الكريم في المقابلة بين مشاهد النعيم ومشاهد العذاب، حتى يتحقّق الغرض الديني من التصوير.
ويصوّر القرآن الكريم، مشهدا لأحد أهل الجنة، وهو يقصّ على أصحابه ذكرياته الماضية في الدنيا، وأنّه كان له قرين يكذب بالحساب، فأحبّ أن يعرف أخباره، فاطّلع فرآه في سواء الجحيم، يقول تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ، إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ، قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ،
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب الجزء : 1 صفحة : 370