responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب    الجزء : 1  صفحة : 229
ولكنّ القرآن يعرض صورة تخييلية، تقابل الصورة المألوفة، للفت انتباه الإنسان إلى فضل الله عليه، وهي صورة الماء الغائر في الأعماق وما يترتب على ذلك، من هلاك زرع الإنسان وطعامه بل حياته أيضا.
وهذه صورة مخيفة، تعرض في السياق للتهديد والتخويف، فالله هو الذي جاء بالماء، وهو القادر على الذهاب به، ولكنّ رحمة الله بعباده، جعلت الماء متجمّعا في جوف الأرض للاستفادة منه.
ويتضافر التعبير مع التصوير في إبراز هذه الرحمة بالعباد، فالماء ينزل بقدر من السماء، ولو أنزل كلّه لحدث الدمار والهلاك للإنسان وزرعه، ولكن يد الله تمسك بمياه السماء، فلا تنزل منها إلا بقدر معلوم حتى تتم الحياة والفائدة منها. ولفظ (بقدر) يوحي بالتهديد، ويثير مخيّلة الإنسان لاستحضار صورة إطلاق ماء السماء بلا مقدار لتدمير قوم نوح. وهي صورة مستدعاة من القصص التاريخي، كي يتم الترابط والتواصل بين الصور القرآنية، لتحقيق الغرض الديني من التصوير.
ويتنوّع تصوير مشاهد المياه، فماء البحر، وماء النهر، يتشابهان من حيث الشكل، ويختلفان من حيث الطعم وتبرز قدرة الله في تسخيرهما، وتنويعهما، وفي حركة السفن الطافية فوقهما، يقول الله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ، لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فاطر: 12.
ويلاحظ الإلحاح على فكرة التنويع مع أن الأصل واحد، فماء البحر والنهر، واحد في الشكل، ولكنه متنوّع في الطعوم بين حلو ومالح، والأسماك أيضا متنوعة في أشكالها وألوانها وطعومها مع أن أصلها واحد، وكذلك الحلي المستخرجة من أعماق البحار.
وتلمس الصورة فارقا جوهريا بين البحر والنهر، يرجع إلى اختلاف كامن في خواصهما، وتمثّل هذا الاختلاف في الخواص في مشهد منظور للبحر والنهر، فيصب النهر، في مياه البحر، ولكن الماء العذب لا يمتزج بالماء المالح في البحار، فيبقى الحاجز بينهما، لا يسمح لأحدهما بالامتزاج بالآخر، يقول تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، وَلَهُ الْجَوارِ

اسم الکتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن المؤلف : عبد السلام أحمد الراغب    الجزء : 1  صفحة : 229
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست