اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 417
ذلك لأنه أولُ شيء يؤدِّي إلى أن يكون القرآنُ مُعْجِزاً، لا بما به كان قرآناً وكلامَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، لأنه على كل حال إنما كان قرآناً وكلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ: بالنظْمِ الذي هو عليه. ومعلومٌ أن ليس النظْمُ مِن مذاقة الحروفِ وسلامَتِها مما يَثْقلُ على اللسان في شيء. ثم إنه اتفاقٌ من العقلاء أنَّ الوصْفَ الذي به تناهى القرآن إلى حدٍّ عجزَ عنه المَخلُوقونَ هو الفصاحةُ والبلاغةُ. وما رأيْنا عاقلاً جعلَ القرآن فصيحاً أو بليغاً بأنْ لا يكونَ في حروفِه ما يَثْقُل على اللسان، لأنه لو كان يَصِحُّ ذلك، لكان يَجبُ أن يكونَ السوقيُّ الساقِطُ من الكلامِ والسَّفسَافُ الرديء من الشعر، فصيحاً إذا خفَّت حروفُه، وأعْجَبُ من هذا أَنه يَلْزمُ منه أنه لو عَمَد عامِدٌ إلى حرَكاتِ الإعراب فجعَل مكانَ كلِّ ضَمَّةٍ وكَسْرةٍ فتحةً فقال: الحمدَ للهَ (بفتح الدالِ واللام والهاءِ) وجرَى على هذا في القرآن كلِّه أنْ لا يَسْلُبَه ذلك الوصفَ الذي هو معْجِزٌ به بل كان يَنْبغي أن يزيد فيه لأنَّ الفتحة - كما لا يَخْفَى - أخفُّ من كل واحدةٍ من الضَّمةِ والكَسْرة، فإن قال إنَّ ذلك يُحيل المعنى، قيلَ له: إذا كان المعنى والعلةُ في كونهِ معجزاً، خفةَ اللفظِ وسهولَتَه، فينبغي أنْ يكونَ مع إحالةِ المعنى مُعْجِزاً، لأنه إذا كان معجزَ الوصف يخصُّ لفظَه دون معناهُ، كان مُحالاً أن يَخْرجَ عن كونه معجِزاً مع قيام ذلك الوصفِ فيه.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 417