اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 418
ودعْ هذا وهَبْ أنه لا يَلزَمُ شيءٌ منه؛ فإنه يكْفي في الدلالةِ على سقوطهِ وقلَّةِ تمييز القائل به، أنه يَقْتضي إسقاطُ الكنايةِ والاستعارةِ والتمثيلِ والمجازِ والإيجازِ جملةٌ، واطِّراحُ جميعها رأساً، مع أنها الأقطابُ التي تَدورُ البلاغةُ عليها، والأعضادُ التي تَسْتَنِدُ الفصاحةُ إليها، والطَّلِبةُ التي يتنازَعُها المُحْسِنونَ، والرِّهانُ الذي تُجرَّبُ فيه الجيادُ، والنضالُ الذي تُعْرَفُ به الأيدي الشِّدَادُ، وهي التي نَوَّهَ بذكْرِها البلغاءُ، ورفَعَ من أقدارِها العلماءُ وصنَّفوا فيها الكُتُبَ، ووكَّلوا بها الهِمَمَ، وصرَفوا إليها الخواطِرَ، حتى صارَ الكلامُ فيها نوعاً من العِلْم مفْرَداً، وصناعةً على حدة، ولم يَتَعاطَ أحَدٌ من الناس القولَ في الإعجازِ إلاَّ ذكَرَها وجعَلَها العُمُدَ والأركانَ فيما يُوجِبُ الفضْلَ والمزيَّةَ، وخصوصاً الاستعارةَ والإيجاز، فإنك تَراهُمْ يجعلونَهُما عنوانَ ما يَذكُرونَ وأولَ ما يُورِدون. وتَراهُم يَذْكرون من الاستعارةِ قولَه عز وجل: {واشتعل الرأس شَيْباً} [مريم: 4] وقولَه: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} [البقرة: 93] وقوله عزَّ وجَلَّ {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [يس: 37] وقوله عزَّ وجلَّ {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] وقولَه {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً} [يوسف: 80] وقولَه تعالى: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] وقولَه {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16]، ومن الإيجازِ قولَه تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَآءٍ} [الأنفال: 58]، وقولَه تعالى: {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] وقوله: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] تراهم على لسان واحدٍ في أنَّ المجازَ والإيجاز، من الأركان في أمْر الإعجاز.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 418