اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 410
عَزُّوا وعَزَّ بِعزِّهمْ مَنْ جَاوَرُوا ... فهُمُ الذُّرى وجَماجِمُ الهاماتِ
إنْ يَطلبُوا بِتِراتِهِمْ يُعطَوا بها ... أو يُطلَبوا لا يُدْرَكوا بتِراتِ
مع قول المتنبي [من الطويل]:
تُفيتُ الليالي كلَّ شيءٍ أخذْتَه ... وهنَّ لِمَا يأْخُذْنَ منِكَ غَوارِمُ
وقولُ أبي تمام [من الطويل]:
إذا سَيْفُه أضْحَى على الهامِ حاكِماً ... غدا العَفْوُ منهُ وهْوَ في السيفِ حاكِمُ
مع قولِ المتنبي [من الطويل]:
لهُ مِنْ كريم الطَّبْع في الحرْبِ مُنْتَضٍ ... ومِن عادةِ الإحسانِ والصَّفْحِ غامِدُ
فانظرْ الآنَ مَنْ نَفَى الغفْلةَ عن نفسِه، فإنكَ ترَى عِياناً أنَّ لِلْمعنى في كلِّ واحدٍ من البيتين، من جميع ذلكَ، صورةً وصفةً غيرَ صورتِه وصِفَتِه في البيتِ الآخَر، وأنَّ العلماءَ لم يُريدوا حيثُ قالوا: إنَّ المعنى في هذا هو المعنى في ذاك: أنَّ الذي تَعقَّل مِنْ هذا، لا يُخالِف الذي تعقَّل مِن ذاك؛ وأنَّ المعنى عائدٌ عليكَ في البيت الثاني على هيئَتهِ وصِفَتهِ التي كان عليها في البيت الأول: وأنْ لا فرْقَ ولا فصْلَ ولا تبايُنَ بوجهٍ من الوجوه؛ وإنَّ حكْم البيتينِ مثَلاً حكْمُ الاسمينِ قد وُضِعا في اللغة لشيءٍ واحد، كالليثِ والأَسد. ولكنْ قالوا ذلك على حَسَبِ ما يقوله العُقَلاء في الشيئينِ يَجْمَعهما جنسٌ واحدٌ ثم يفترقانِ بخواصَّ ومَزايا وصفاتٍ كالخاتمَم والخاتَم، والشَّنْف والشَّنْف، والسِّوارِ والسوار، وسائرِ أصنافِ الحِلَى التي يَجْمعها جنسٌ واحدٌ، ثم يكونُ بينها الاختلافُ الشديدُ في الصَّنْعة والعَمَل. ومَنْ هذا الذي يَنظُر إلى بيتِ الخارجِي، وبيتِ أبي تمام، فلا يَعْلَمُ أنَّ صورةَ المعنى في ذلك، غيرُ صورتِه في هذا، كيفَ والخارجيُّ يقول: (واحتجَّتْ له فَعْلاتُه). ويقولُ أبو تمام:
إذن لهجاني عنه معروفه عندي
ومتى كان "احتج" و "هجا" واحداً في المعنى؟ وكذلك الحكْمُ في جميع ما ذكرْناه: فليس يُتَصوَّرُ في نفس عاقلِ أن يكونَ قولُ البحتري [من الكامل]:
وأَحَبُّ آفاقِ البلادِ إلى الفتى ... أرضٌ يَنالُ بها كريمَ المطلبِ
وقولُ المتنبي [من الطويل]
وكلُّ مكانٍ يُنبِتُ العزَّ طيِّبُ
سواءً.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 410