responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 189
فهذا كلُّه على معنى الوْهم والتقدير، وأن يُصَوِّر في خاطره شيئاً لم يَره ولم يَعْلمه، ثم يُجْريه مجرى ما عَهِد وعَلِم. وليس شيءٌ أغلبَ على هذا الضرْبِ المَوْهوم من "الذي"، فإنه يجيء كثيراً على أنك تُقدِّر شيئاً في وَهْمك ثم تُعبِّر عنه "بالذي". ومثال ذلك قولُه [من الطويل]:
أخُوكَ الذي إنْ تَدْعُه لِمُلِمَّةِ ... يُجبْكَ وإن تَغْضَبْ إلى السيفِ يَغْضَبِ
وقولُ الآخر [من الطويل]:
أخُوكَ الذي إنْ رِبْتَهُ قال إِنَّما ... أرَبْتُ وإنْ عاتبْتَهُ لان جانِبُهْ
فهذا ونحْوُه على أنك قدَّرْتَ إنساناً هذه صفتُه وهذا شأْنُه، وأَحلْتَ السامعَ على من يَتعيَّنُ في الوهم، دون أن يكون قد عرفَ رجلاً بهذه الصفة، فأعلمتَه أن المستحِقَّ لاسم الأُخوَّة هو الذي عرفه، حتى كأنك قلتَ: (أخوك زيدٌ الذي عرفتَ أنك إن تدْعُه لِمُلمَّة يُجِبْك). ولكَوْن هذا الجنس معهوداً من طريق الوهم والتخيل، جرى على ما يُوصفُ بالاستحالة، كقولكَ للرجل وقد تَمنَّى: (هذا هو الذي لا يكونُ وهذا ما لا يَدْخُل في الوجود). وقولُه [من الكامل]:
ما لا يَكونُ فلاَ يَكونُ بحيلَةٍ ... أبداً وما هُوَ كائنٌ سَيُكُونُ
ومن لطيف هذا الباب قولُه [من الطويل]:
وإنِّي لمشتاقٌ إلى ظلِّ صاحبِ ... يَروقُ ويَصْفو إنْ كَدِرْتُ عليهِ
قد قدَّر كما تَرى ما لم يعلمْه موجوداً، ولذلك قال المأمون: خذْ منِّي الخِلافةَ وأعطني هذا الصاحب: فهذا التعريف الذي تَراه في الصاحب، لا يَعْرِضُ شكٌّ أنه موهوم.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست