اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 145
وجملةُ الأمر أنَ تقديَم الاسمِ يَقْتضي أنك عَمَدتَ بالإنكار إلى ذاتِ مَنْ قيل: إنه يَفْعل، أو قال هو: إني أفعلُ. وأردتَ ما تُريدُه إذا قلتَ: ليس هو بالذي يفعل، وليس مثلُه يَفعل. ولا يكونُ هذا المعنى إذا بدأتَ بالفعل فقلتَ: أَتفعل؟ ألا تَرى أنَّ المحال أن تَزعم أنَّ المعنى في قول الرجلِ لصاحبه: (أتَخْرجُ في هذا الوقت؟ أتغرِّرُ بنفسكَ؟ أتمضي في غير الطريق؟) أنَّه أَنكَرَ أنْ يكونَ بمثابةِ من يفعلُ ذلك وبموْضعِ من يَجيءُ منه ذاك. ذاكَ لأنَّ العِلمَ مُحيطٌ بأنَّ الناسَ لا يُريدونه، وأنَّه لا يَليقُ بالحال التي يُستعملُ فيها هذا الكلامُ. وكذلك مُحالٌ أن يكونَ المعنى في قوله جلَّ وعلاَ: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: 28] أنَّا لسْنا بمثابةِ مَنْ يجيءُ منه هذا الإلزامُ، وأَنَّ غيرَنا مَنْ يَفعله - جلَّ الله تعالى - وقد يَتوهَّمُ المتوهمُ في الشيء مِن ذلك أنه يحتمل؛ فإذا نَظَر لم يَحْتمل. فمِنْ ذلك قولُه:
أيقتلني والمشرفيُّ مضاجعي؟
وقد يَظنُّ الظانُّ أنه يَجوز أن يكونَ في معنى أنه ليس بالذي يَجيء منه أن يَقْتلَ مثْلي، ويَتعلَّق بأنه قال قبْلُ [من الطويل]:
يَغِطُّ غطيط البَكر شُدَّ خِنَاقُهُ ... ليقتلني والمرءُ ليس بقتَّالِ
ولكنهُ إذا نظَر عَلِمَ أنه لا يَجوز؛ وذاكَ لأنه قال "والمشرفيُّ مضاجِعي"، فذكَرَ ما يكون مَنْعاً من الفعل. ومحالٌ أن يقول: هو ممَّنْ لا يَجيءُ منه الفعلُ، ثم يقول: إني أَمنعُهُ؛ لأنَّ المَنْعَ يُتَصَوَّر فيمن يَجيءُ منه الفعلُ ومَع مَنْ يَصِحُّ منه، لا مَنْ هو منه مُحالٌ، ومَنْ هو نَفْسُه عنه عاجزٌ، فاعرفْه!
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 145