اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 144
فهذا تكذيبٌ منه لإنسانٍ تهَدَّدَهُ بالقتل، وإنكارٌ أن يَقْدر على ذلك ويَستطيعَه. ومثْلُه أن يَطمعَ طامعٌ في أمرٍ لا يكونُ مثْلَهُ فتُجهِّلَه في طمعه فتقولَ: (أيرضى عنك فلانٌ وأنتَ مقيمٌ على ما يَكرهُ؟) (أتَجِدُ عنده ما تُحبُّ وقد فَعلتَ وصنَعْت؟) وعلى ذلك قولُه تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: 28]. ومثالُ الثاني، قولُك للرجل يركَب الخطرَ: (أتَخرجُ في هذا الوقت؟ أتذْهَبُ في غير الطريق؟ أَتُغرِّر بنفسك؟) وقولُك للرجل يُضيعُ الحقَّ: (أَتنسى قديمَ إحسانِ فلانٍ؟) أتترْكُ صُحبتَه وتَتغيرُ عن حالك معه، لأنْ تغيَّر الزمانُ؟) كما قال [من الطويل]: أأتركُ أنْ قلَّتْ دراهمُ خالدٍ ... زيارتَه؟ إني إذاَ لَلئِيمُ
وجملةُ الأمر، أَنك تَنْحو بالإنكار نَحْوَ الفعلِ، فإنْ بدأت بالاسم فقلتَ: (أأنتَ تَفعلِ؟) أو قلتَ: (أهو يفعل؟) كنتَ وجَّهْتَ الإنكارَ إلى نفس المذكور وأبيْتَ أن تكون بموضع أَنْ يجيءَ منه الفعلُ وممن يجيءُ منه، وأن يكونَ بتلك المَثَابة. تفسيرُ ذلك أنكَ إذا قلتَ: (أأنتَ تمنعني؟ أأنتَ تأخذ على يدي؟) صرتَ كأنك قلتَ: إنَّ غيرَك الذي يستطيع منْعي والأخْذَ على يدي، ولستَ بذاك، ولقد وضعتَ نفسَك في غير موضعك. هذا إذا جعلْتَه لا يكونُ منه الفعلُ للعَجْز، ولأنه ليس في وُسْعه. وقد يكونُ أن تجعلَه لا يجيءُ منه، لأنه لا يَختارُه ولا يَرْتضيه، وأنَّ نفْسَه نفسٌ تَأْبى مثلَه وتَكْرَهُه. ومثالُهُ أن تَقول: (أَهو يسأَل فلاناً؟) هو أَرفعُ همَّةً من ذلك. (أَهو يمَنعُ الناسَ حقوقَهم؟) هو أكرمُ من ذاك. وقد يكون أن تَجعله لا يَفْعله لصِغَر قدْره وقِصَر همَّته، وأَنَّ نفْسَه نَفسٌ لا تَسمو. وذلك قولُك: (أهو يَسْمح بمثل هذا؟) (أهو يَرتاحُ للجميل؟) هو أَقصرُ همةً من ذلك، وأَقلُّ رغبةً في الخير مما تظنُّ.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز - ت الأيوبي المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 144