اسم الکتاب : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - محاضرات المؤلف : السامرائي، فاضل صالح الجزء : 1 صفحة : 54
ثم دنا فتدلّى * فكان قاب قوسين أو أدنى: ثم دنا فتدلّى فيها تكريم للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الدنو غير التدلي فالدنو هو القرب من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل وغيره أما التدلّي فلا يكون إلا من أعلى لأسفل. ومعنى أن جبريل - عليه السلام - تدلّى للرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا في غاية التكريم له. العرب تقول في القرُب أشياء كثيرة كناية عن القرب فلماذا اختار سبحانه قاب قوسين أو أدنى؟ اختيار قاب قوسين تدل على القرب والقوس هي في حد ذاتها لا بد أن تكون قوية شديدة والوتر لا بد أن يكون قوياً شديداً والرامي ينبغي أن يكون قوياً مُسدداً فالقوس يحتاج إلى إحكام في التسديد والإنطلاق وهذه كلها عناصر الرحلة وقد سبق قوله تعالى (شديد القوى * ذو مِرّة فاستوى) والقوس شديد ويستعمله قوي شديد والرحلة وهي الإنطلاق لذا جاء استعمال قاب قوسين أو أدنى.
فأوحى إلى عبده ما أوحى: نفس الكلام الذي ورد في أسرى بعبده ينطبق على ورود كلمة عبده هنا في هذه الآية. تستخدم كلمة (عبد) على مجموع الجسد والروح وهنا إثبات على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد وإلا فأين المعجزة! ولو كان بالروح فقط لما كذّبه الكفار فهم عرفوا وتأكدوا أن الرحلة تمّت بالروح والجسد معاً.
ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى: ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (المراء) ؟ ورد قبل هذه الآية قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) اختيار لفظ الفؤاد هو من التفؤد والتوقّد (يقال فأد اللحم بمعنى شواه) اختار الفؤاد لأن فؤاده - صلى الله عليه وسلم - متوقّد ليرى كل ما حوله. أما في قوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) وهو القلب المتوقّد الحار لم يقل لبصره أنه واهم فيما يرى، فؤاده - صلى الله عليه وسلم - صدّق بصره يعني ما رأيته ببصرك لم يشكك به الفؤاد على توقّده فقد صدق الفؤاد البصر وما يراه البصر هو حق صادق.
اسم الکتاب : لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - محاضرات المؤلف : السامرائي، فاضل صالح الجزء : 1 صفحة : 54