وأما صبّها في سكك المدينة فقد بيّن العلماء أن هذا لا يدل على طهارتها؛ وذلك لأنّ الصحابة رضي الله عنهم إذا صبّوها في سكك المدينة فإن الغالب فيهم أنهم يتقونها، ولو فرض أنهم مشوا عليها بالنعال، فإن المشي على الأرض اليابسة بعد ذلك يطهّر النِّعال، ولو أن امرأة جرّت ثوبها على خمرة مُرَاقةٍ، ثم مضت بعد ذلك إلى أرض يبسة؛ فإنها تطهره بذلك الجرِّ، وبناءً على ذلك لا يعتبر هذا دليلاً قوياً كما نبّه عليه الشيخ الأمين -رحمة الله عليه- وله فيه بحث نفيس في تفسير آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} وبيّن أن قول الصحابي: [جَرتْ بِها سِكَكُ المدينةِ] وصف فيه مبالغة، وليس على ظاهره، فأقوى الأقوال القول بنجاستها، وهو مذهب جماهير السلف، والخلف، حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الخمر نجسة باتفاق الأئمة الأربعة) ولم يحك قولاً مخالفاً في نجاستها.
وقال بعض العلماء: في إِستدلالهم على طهارة الخمر بدليل غريب حيث قال: إن الله تعالى يقول: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [1] فوصف الخمر بكونها طهوراً، وقد فاته أن الله -عز وجل- حكم بأن خمر الآخرة لا غولٌ فيها، والغَول، والكحول هو أساس نجاسة الخمر في الدنيا، فإذاً نجاسة الخمر في الدنيا مبنيّة على وجود هذه المادة التي تستحيل إذا صارت الخمر خلاً، ويُحكم بطهارته، ولما كانت خمر الآخرة طاهرة من جهة عدم وجود الغول فيها قال تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} وقلب بعض العلماء هذا [1] الإنسان، آية: 21.