فليس هناك دلالة تخرجها فبقيت على الأصل، وهي مستقذرة فتبقى على وصف الرّجس في الشرع، والشرع قد خصّ الرجس بالنّجس، فخَصّص الحقيقة اللغوية به.
واستدل من قال بطهارة الخمر: بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإراقة مزادتي الخمر فإنه أمر الصحابي أن يُريقَ الخمرَ من المزادتين، قالوا: ولم يأمره بغسلهما، وهذا استدلال ضعيف كما نبّه عليه غير واحد من أهل العلم، فإن سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمره بغسل مزادة الخمر؛ إنما سكت للعلم به بداهة، فإنك إذا وضعت في هذه المزادة لبناً، وأرقت اللبن ماذا تفعل؟ معلوم بداهة أنك ستغسلها، فسكت -عليه الصلاة والسلام- عن الأمر بالغسل لكونه واقعاً لا محالة.
وقال بعض العلماء في جوابه: لو قيل بظاهر سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يدل على خلوها لاحتج بذلك محتج، وقال: يجوز لمن أخذ مزادة الخمر بعد تفريغها، وصبَّ فيها لبناً قبل غسلها؛ فإنه لا ينكر عليه؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأمر بغسلها، فيكون الجواب: بأنه سكت عن الأمر بغسلها للعلم به بداهة، فكما أنه في المشروبات المباحة نأمر بالغسل، ونقول سكت عنه للعلم به بداهة، كذلك هنا نقول: سكت عن الأمر بغسل نجاسة الخمر للعلم به بداهة، فهو يعلم عليه الصلاة والسلام أن صاحبها سيغسلها لا محالة، فلم يأمره بالغسل، ولم يصحّ الإستدلال بسكوته عن أمره بذلك على طهارة الخمر.