responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) المؤلف : ابن عابدين    الجزء : 1  صفحة : 11
بِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ لَاحِقًا، وَأَفَضْت عَلَيْنَا مِنْ أَشِعَّةِ شَرِيعَتِك الْمُطَهَّرَةِ بَحْرًا رَائِقًا، وَأَغْدَقْتَ لَدَيْنَا مِنْ بِحَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضِّيَاءُ أَقْوَى مِنْهُ وَأَتَمُّ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إلَى الشَّمْسِ فِي قَوْله تَعَالَى - {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5]- وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضِّيَاءَ ضَوْءٌ ذَاتِيٌّ وَالنُّورَ ضَوْءٌ عَارِضٌ. وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النُّورُ أَقْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، - {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35]- وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ فِي الْآيَةِ الْمُنَوِّرَ، وَقَدْ حَمَلَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى ذَلِكَ اهـ حَسَنٌ جَلَبِي عَلَى الْمُطَوَّلِ. وَالْبَصَائِرُ: جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وَهِيَ قُوَّةٌ لِلْقَلْبِ الْمُنَوَّرِ بِنُورِ الْقُدُسِ يَرَى بِهَا حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ بِمَثَابَةِ الْبَصَرِ لِلنَّفْسِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: بِتَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ بِنُورِ بَصَرِهِ يَنْظُرُ إلَى عَجَائِبِ الْمَصْنُوعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الْكُتُبِ النَّافِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَادَةِ لِتَنْوِيرِ الْبَصِيرَةِ بِاكْتِسَابِ الْمَعَارِفِ (قَوْلُهُ: لَاحِقًا) الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي سَابِقًا؛ وَإِنَّمَا كَانَ تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ لَاحِقًا: أَيْ مُتَأَخِّرًا عَنْ شَرْحِ الصُّدُورِ، لِأَنَّ شَرْحَهَا الِاهْتِدَاءُ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} [الأنعام: 125]- الْآيَةُ، وَهَذَا سَابِقٌ عَادَةً عَلَى تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ: قَدَّمَ شَرْحَ الصَّدْرِ عَلَى تَنْوِيرِ الْقَلْبِ، لِأَنَّ الصَّدْرَ وِعَاءُ الْقَلْبِ وَشَرْحُهُ مُقَدَّمٌ لِدُخُولِ النُّورِ فِي الْقَلْبِ (قَوْلُهُ: وَأَفَضْت) يُقَالُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ أَفْرَغَهُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مِنْ أَشِعَّةِ) جَمْعُ شُعَاعٍ بِالضَّمِّ: وَهُوَ مَا تَرَاهُ مِنْ الشَّمْسِ كَأَنَّهُ الْحِبَالُ مُقْبِلَةً عَلَيْك إذَا نَظَرْت إلَيْهَا، أَوْ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ ضَوْئِهَا قَامُوسٌ. وَالشَّرِيعَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَشْرُوعَةٌ، فَقَدْ شَرَعَهَا اللَّهُ حَقِيقَةً وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَازًا، وَالشَّرِيعَةُ وَالْمِلَّةُ وَالدِّينُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. فَهِيَ شَرِيعَةٌ لِكَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ شَرَعَهَا. وَالشَّرِيعَةُ فِي الْأَصْلِ الطَّرِيقُ يُورَدُ لِلِاسْتِقَاءِ، فَأُطْلِقَتْ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ لِبَيَانِهَا وَوُضُوحِهَا، وَلِلتَّوَصُّلِ بِهَا إلَى مَا بِهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَمِلَّةٌ لِكَوْنِهَا أُمْلِيَتْ عَلَيْنَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَدِينٌ لِلتَّدَيُّنِ بِأَحْكَامِهَا: أَيْ لِلتَّعَبُّدِ بِهَا. اهـ. ط، وَكُلٌّ مِنْ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّبِيِّ وَالْأُمَّةِ. بِخِلَافِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَالُ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَالُ مِلَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِلَّةُ زَيْدٍ كَمَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ وَالرَّاغِبُ وَغَيْرُهُمَا. فَيُشْكِلُ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهَا تُضَافُ إلَى آحَادِ الْأُمَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَيْدَانِيَّةِ. هَذَا، وَقَالَ ح: الْأَنْسَبُ بِالْإِضَافَةِ وَالْبَحْرِ أَنْ يَقُولَ مِنْ شَآبِيبَ مَثَلًا، وَهُوَ جَمْعُ شُؤْبُوبٍ: الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. اهـ. أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَبَّهَ الشَّرِيعَةَ بِالشَّمْسِ بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَالْأَشِعَّةُ تَخْيِيلٌ، وَكُلٌّ مِنْ الْإِفَاضَةِ وَالْبَحْرِ لَا يُلَائِمُ ادِّعَاءَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَفْرَادِ الشَّمْسِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَنْ تُشَبَّهَ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ بِالْأَشِعَّةِ مِنْ حَيْثُ الِاهْتِدَاءُ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ الْأَشِعَّةِ إلَى الشَّرِيعَةِ ثُمَّ تُشَبَّهُ الْأَحْكَامُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْأَشِعَّةِ مِنْ حَيْثُ الِارْتِفَاعُ أَوْ الْكَثْرَةُ بِالسَّحَابِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ. وَالْإِضَافَةُ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ، وَالْبَحْرُ تَرْشِيحٌ، فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ اسْتِعَارَاتٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى - {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]- وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إضَافَةُ الْأَشِعَّةِ إلَى الشَّرِيعَةِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، وَشَبَّهَ الْمَسَائِلَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْبَحْرِ بِجَامِعِ الْكَثْرَةِ أَوْ النَّفْعِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَالْإِفَاضَةُ تَرْشِيحٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَأَغْدَقْت) أَيْ أَكْثَرْت، فِي التَّنْزِيلِ - {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]- أَيْ كَثِيرًا مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: لَدَيْنَا) أَيْ عِنْدَنَا، وَقِيلَ إنَّ لَدَى تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ بِخِلَافِ عِنْدَ، تَقُولُ: عِنْدِي فَرَسٌ إذَا كُنْت تَمْلِكُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً فِي مَكَانِ التَّكَلُّمِ، وَلَا تَقُولُ لَدَيَّ

اسم الکتاب : الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) المؤلف : ابن عابدين    الجزء : 1  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست