الدليل الثامن:
من النظر، قال الطحاوي: رأينا الأصل المجتمع عليه، أن العصير لا بأس بشربه، والانتفاع به، ما لم يحدث فيه صفات الخمر، فإذا حدثت فيه صفات الخمر حرم بذلك، ثم لا يزال حراماً كذلك حتى تحدث فيه صفات الخل، فإذا حدثت فيه صفات الخل حل، فكان يحل بحدوث الصفة ويحرم لحدوث صفة غيرها، وإن كان بدناً واحداً، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك جلد الميتة، يحرم بحدوث صفة الموت فيه، ويحل بحدوث صفة الأمتعة فيه من الثياب وغيرها فيه، وإذا دبغ فصار كالجلود والأمتعة فقد حدثت فيه صفة الحلال، فالنظر على ما ذكرنا أن يحل أيضا بحدوث تلك الصفة فيه.
وحجة أخرى أن قد رأينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسلموا لم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرح نعالهم وخفافهم وأنطاعهم التي كانوا اتخذوها في حال جاهليتهم، وإنما كان ذلك من ميتة، أو من ذبيحة، فذبيحتهم حينئذ إنما كانت ذبيحة أهل الأوثان، فهي في حرمتها على أهل الإسلام كحرمة الميتة، فلما لم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرح ذلك، وترك الانتفاع به، ثبت أن ذلك كان قد خرج من حكم الميتة ونجاستها بالدباغ إلى حكم سائر الأمتعة وطهارتها، وكذلك كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتحوا بلدان المشركين لا يأمرهم بأن يتحاموا خفافهم ونعالهم وأنطاعهم وسائر جلودهم، فلا يأخذوا من ذلك شيئاً، بل كان لا يمنعهم شيئاً من ذلك، فذلك دليل أيضا على طهارة الجلود بالدباغ [1]. [1] شرح معاني الآثار (1/ 472).