المبحث الثالث في الطهارة في آنية الذهب والفضة
الخلاف في هذه المسألة إنما يجري على قول من يقول بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، أما من يقصر التحريم على الأكل والشرب، فإنه يصحح الطهارة منها بلا إثم، وهذا واضح.
وقد اختلف القائلون بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة هل تصح الطهارة منها وفيها مع الإثم أم لا على أقوال:
فقيل: تصح الطهارة منها وبها، وهذا مذهب الحنفية [1]، والمالكية [2]، والشافعية [3]، والمشهور من مذهب الحنابلة [4]. [1] بريقة محمودية (4/ 102)، بل ذهب الحنفية إلى أبعد من هذا، فقالوا كما في البحر الرائق (8/ 211): إن الأواني الكبيرة المصوغة من الذهب والفضة لأجل أكل الطعام إنما يحرم استعمالها إذا أكل منها باليد أو الملعقة، وأما إذا أخذ منها، ووضع على موضع مباح، فأكل منه لم يحرم؛ لانتفاء ابتداء الاستعمال منها، وكذا الأواني الصغيرة المصنوعة لأجل الإدهان ونحوه إنما يحرم استعمالها إذا أخذت وصب منها الدهن على الرأس؛ لأنها صنعت لأجل الإدهان منها بذلك الوجه، وأما إذا أدخل يده، وأخذ الدهن، وصبه على الرأس من اليد، فلا يكره؛ لانتفاء ابتداء الاستعمال منها. كما نسب هذا القول مذهباً لأبي حنيفة كل من النووي في المجموع (1/ 307)، وابن قدامة في المغني (1/ 103)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 318). [2] مواهب الجليل (1/ 506)، مختصر خليل (1/ 100)، وقال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 19): ومن توضأ فيهما أجزأه وضوؤه، وكان عاصياً باستعمالها، وقد قيل: لا يجزؤه الوضوء فيهما، وفي في أحدهما، والأول أشهر. [3] قال الشافعي في الأم (1/ 23): لا أكره إناء توضئ فيه من حجارة ولا حديد ولا نحاس ولا شيء غير ذوات الأرواح إلا آنية الذهب والفضة فإني أكره الوضوء فيهما. اهـ
وقال النووي في المجموع (1/ 307): لو توضأ أو اغتسل من إناء الذهب صح وضوءه وغسله بلا خلاف، نص عليه الشافعي -رحمه الله- في الأم، واتفق الأصحاب عليه. اهـ [4] المغني (1/ 58)، الفروع (1/ 98)، كشاف القناع (1/ 52)، الإنصاف (1/ 81)، =