اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 82
وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَقْتُلُونَ آمِرِيهِمْ بِالْعَدْلِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، الَّذِينَ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ قَتْلِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُكُوبِ مَعَاصِيهِ [1].
فائدة في الفرق بين الفحشاء والمُنكر
جمع الله جل حلاله بين اللَّفظين في قوله جل حلاله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (90) سورة النحل، وقد اختلفت عبارات المُفسِّرين رحمهم الله في التَّفريق بينهما، فقال الزَّمخشريُّ: "الفحشاء ما جاوز حدود الله، والمُنكر ما تُنْكِره العُقُول" [2]، وقيل: "الفحشاء الإفراط في مُتابعة القُوَّة الشَّهْوانيَّة، والمُنكر الإفراط في إظهار القُوَّة الغضبيَّة" [3]، ومن المُفسِّرين من ذهب إلى القول بأنَّ بين اللَّفظين عموماً وخصوصاً، كابن عطيَّة ـ رحمه الله ـ حيث قال: "كأنَّهم خصَّصوها بمعاني الفروج، والمُنكر أعمُّ منه؛ لأنَّه يَعُمُّ جميع المعاصي والرذائل والإدانات على الاختلاف أنواعها" [4]، وقال سيد قطب رحمه الله: "الفحشاء كُلُّ أمر يَفْحُش، أي يتجاوز الحدَّ، والمُنكر كُلُّ فعل تُنْكِره الفطرة، ومن ثَمَّ تنكره الشريعة" [5].
ثانياً: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر
لا يخلو مجتمع من منكر، هذا أمر بدهي لا ينكره أحد، ولو كان مجتمع يسلم من المنكرات جميعها صغيرها وكبيرها، لكان مجتمع الصحابة رضي الله عنه؛ لكننا نقرأ في السنة أن معاصي قد حصلت من بعض الصحابة الكرام كما في قصة ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه [6]، وقصة الغامدية [1] - الطبري برقم (6189) وفيه جهالة [2] - الزمخشري - الكشاف 2/ 341 قال ابن المنير -رحمه الله-: "وهذه لفتة إلى الاعتزال، ولو قال: المُنكر ما أنكره الشَّرع لوافق الحق ولكنه لا يدع بدعة المتعزلة في التحسين والتقبيح بالعقل". انظر: الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال 2/ 241. [3] - الرازي التفسير الكبير 20/ 160، الألوسي -روح المعاني14/ 318. [4] - ابن عطية -المحرر الوجيز 8/ 496. [5] - سيد قطب -في ظلال القرآن 4/ 2191. [6] - صحيح مسلم برقم (4524) عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى أَصَبْتُ فَاحِشَةً فَأَقِمْهُ عَلَىَّ. فَرَدَّهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مِرَارًا قَالَ ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ فَقَالُوا مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا إِلاَّ أَنَّهُ أَصَابَ شَيْئًا يَرَى أَنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ - قَالَ - فَرَجَعَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ - قَالَ - فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ - قَالَ - فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلاَ حَفَرْنَا لَهُ - قَالَ - فَرَمَيْنَاهُ بِالْعَظْمِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ - قَالَ - فَاشْتَدَّ فَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ فَانْتَصَبَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِجَلاَمِيدِ الْحَرَّةِ - يَعْنِى الْحِجَارَةَ - حَتَّى سَكَتَ - قَالَ - ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا مِنَ الْعَشِىِّ فَقَالَ «أَوَكُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِى عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ عَلَىَّ أَنْ لاَ أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ نَكَّلْتُ بِهِ». قَالَ فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلاَ سَبَّهُ.
الجلاميد: جمع جلمود وهو الحجارة الكبار = المدَر: الطين اليابس جمع مدرة = النبيب: صوت التيس عند السفاد
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 82