اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 76
حذيفة: لَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ أَوْ لَيُسْحِتَنَّكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً بِعَذَابٍ أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ. (1)
6 - إن الله تعالى جعل اهتمام المرء بنفسه وتزكيتها قبل أن يلتفت إلى الآخرين محوراً للإصلاح، حتى لا يكون الطعن في سلوكه سبيلاً وحجة للآخرين يتعذر بها عن عدم الانصياع للأمر أو النهي، لذا قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (44) سورة البقرة، وقال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [2] كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) [الصف/[2]، 3]))
7 - وحتى لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدعاة للارتكان إلى الغير والاعتذار بذلك فقد وزع الشرع المسؤوليات على كل فئات المجتمع مراعياً في ذلك التدرج ليشمل الأفراد والأسرة والوالي الأعلى للدولة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [2].وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة
8 - لأن الأسرة هي الخلية الأولى لبناء المجتمع الصالح، فقد اهتم بها الإسلام اهتماماً كبيراً، لذا كان أول من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإبلاغه الدعوة هم أقرب الناس إليه، قال الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (214) سورة الشعراء، وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (132) سورة طه.
9 - وحتى لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعظياً دون أن تكون للقائم به سلطة أو نفوذ، فقد خوَّل الإسلام للمحتسب بعض صلاحيات التنفيذ فيما يدخل في مكانته وقدرته، إلا أنه ميزه عن القاضي بأنه لا ينتظر أن يرفع إليه الأمر ليفصل فيه بل يقتحم الموضع الذي يظهر فيه المنكر أو يهجرُ فيه المعروف فيقوم بواجب الأمر والنهي تغييرا أو تعميرا. قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد، فبين الله تعالى أنه أنزل الكتاب وأنزل معه الحديد الذي هو القوة ليحمي الكتاب ودعاته ويعين على تطبيق أحكامه
(1) - مسند أحمد برقم (24014) حسن لغيره [2] - صحيح البخارى برقم (893)
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 76