responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 370
وَهَذَا كَمَا يُتْلِفُ مِنْ الْبَدَنِ الْمَحَلَّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ؛ فَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ وَتُقْطَعُ رِجْلُ الْمُحَارِبِ وَيَدُهُ [1].
وَكَذَلِكَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمُنْكَرُ فِي إتْلَافِهِ نُهِيَ عَنْ الْعَوْدِ إلَى ذَلِكَ الْمُنْكَرِ؛ وَلَيْسَ إتْلَافُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحَلِّ مَفْسَدَةٌ جَازَ إبْقَاؤُهُ أَيْضًا؛ إمَّا لِلَّهِ وَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كَمَا أَفْتَى طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّ الطَّعَامَ الْمَغْشُوشَ مِنْ الْخُبْزِ وَالطَّبِيخِ وَالشِّوَاءِ كَالْخُبْزِ وَالطَّعَامِ الَّذِي لَمْ يَنْضَجْ وَكَالطَّعَامِ الْمَغْشُوشِ وَهُوَ: الَّذِي خُلِطَ بِالرَّدِيءِ وَأَظْهَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ جَيِّدٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ: يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إتْلَافِهِ [2].
وَإِذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ أَتْلَفَ اللَّبَنَ الَّذِي شِيبَ لِلْبَيْعِ: فَلَأَنْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ عُقُوبَةُ الْغَاشِّ وَزَجْرُهُ عَنْ الْعَوْدِ وَيَكُونُ انْتِفَاعُ الْفُقَرَاءِ بِذَلِكَ أَنْفَعَ مِنْ إتْلَافِهِ [3] وَعُمَرُ أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُغْنِي النَّاسَ بِالْعَطَاءِ؛ فَكَانَ الْفُقَرَاءُ عِنْدَهُ فِي الْمَدِينَةِ إمَّا قَلِيلًا وَإِمَّا مَعْدُومِينَ
وَلِهَذَا جَوَّزَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ التَّصَدُّقَ بِهِ وَكَرِهُوا إتْلَافَهُ. فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَطْرَحُ اللَّبَنَ الْمَغْشُوشَ فِي الْأَرْضِ أَدَبًا لِصَاحِبِهِ [4] وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ

[1] - لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33) سورة المائدة
[2] - فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 1395) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 660) ومجموع فتاوى ابن باز - (ج 17 / ص 121)
[3] - قلت: هذا هو الأفضل لورود النهي عن تضييع المال ففي البخاري برقم (419) عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي كَاتِبُ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ "
وبرقم (2306) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ "
[4] - وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 9 / ص 321)
أَمْره - صلى الله عليه وسلم - بِإِكْفَاء الْقُدُور فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِكَرَاهَةِ مَا صَنَعُوا مِنْ الذَّبْحِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَقَالَ الْمُهَلَّب: إِنَّمَا أَكْفَأَ الْقُدُور لِيُعْلِمَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا بَعْدَ قِسْمَتِهِ لَهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ فِيهَا (بِذِي الْحُلَيْفَةِ) وَأَجَابَ اِبْنُ الْمُنِير بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ إِنَّ الذَّبْحَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّعَدِّي كَانَ الْمَذْبُوح مَيْتَةً وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اِنْتَصَرَ لِهَذَا الْمَذْهَبِ، أَوْ حَمَلَ الْإِكْفَاء عَلَى الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَال لَا يَخْتَصُّ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ ذَبَحُوا لَكِنْ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ طَمَعُهُمْ كَانَتْ النِّكَايَة حَاصِلَة لَهُمْ. قَالَ: وَإِذَا جَوَّزْنَا هَذَا النَّوْع مِنْ الْعُقُوبَةِ فَعُقُوبَة صَاحِبِ الْمَالِ فِي مَالِهِ أَوْلَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَالِك: يُرَاقُ اللَّبَن الْمَغْشُوش وَلَا يُتْرَكُ لِصَاحِبِهِ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ أَدَبًا لَهُ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمَأْمُورُ بِإِكْفَائِهِ إِنَّمَا هُوَ الْمَرَقُ عُقُوبَة لِلَّذِينِ تَعَجَّلُوا، وَأَمَّا نَفْس اللَّحْمِ فَلَمْ يُتْلَفْ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى الْمَغَانِمِ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ تَقَدَّمَ، وَالْجِنَايَة بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ مِنْ الْجَمِيعِ إِذْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ أَصْحَابُ الْخُمُسِ، وَمِنْ الْغَانِمِينَ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يُنْقَل أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ وَأَتْلَفُوهُ تَعَيَّنَ تَأْوِيله عَلَى وَفْق الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّة لَمَّا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا " أَنَّهَا رِجْس " وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لُحُومَهَا لَمْ تُتْرَكْ بِخِلَافِ تِلْكَ وَاللَّه أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا أُبِيحُ لِلْغَازِي مِنْ الْأَكْلِ مِنْ الْمَغَانِمِ مَا دَامُوا فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فِي (بَابِ مَا يُصِيبُ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ) فِي أَوَاخِرِ فَرْضِ الْخُمُس.
وانظر الحاوي للفتاوي للسيوطي - (ج 1 / ص 176) والموسوعة الفقهية1 - 45 كاملة - (ج 2 / ص 4447) ومن رسائل السيوطي - (ج 4 / ص 14) ومجلة المنار - (ج 17 / ص 833) والتاج والإكليل لمختصر خليل - (ج 6 / ص 462) وتهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية - (ج 4 / ص 352) وأنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 8 / ص 167) وكتاب الاعتصام - (ج 1 / ص 412) والطرق الحكمية - (ج 1 / ص 362) وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام - (ج 4 / ص 463) ومطالع التمام ونصائح الأنام - (ج 1 / ص 13) و (ج 1 / ص 125) و (ج 1 / ص 237 - 255)
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 370
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست