responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 369
وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ حَيْثُ رَأَى رَجُلًا قَدْ شَابَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ فَأَرَاقَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [1] وَبِذَلِكَ أَفْتَى طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْأَصْلِ [2]؛ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ {نَهَى أَنْ يُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ} [3] وَذَلِكَ بِخِلَافِ شَوْبِهِ لِلشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُلِطَ لَمْ يَعْرِفْ الْمُشْتَرِي مِقْدَارَ اللَّبَنِ مِنْ الْمَاءِ؛ فَأَتْلَفَهُ عُمَرُ.
وَنَظِيرُهُ مَا أَفْتَى بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْأَصْلِ فِي جَوَازِ إتْلَافِ الْمَغْشُوشَاتِ فِي الصِّنَاعَاتِ: مِثْلَ الثِّيَابِ الَّتِي نُسِجَتْ نَسْجًا رَدِيئًا إنَّهُ يَجُوزُ تَمْزِيقُهَا وَتَحْرِيقُهَا [4]؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ثَوْبًا مِنْ حَرِيرٍ مَزَّقَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَفْزَعْت الصَّبِيَّ فَقَالَ: لَا تَكْسُوهُمْ الْحَرِيرَ [5].
كَذَلِكَ تَحْرِيقُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو لِثَوْبِهِ الْمُعَصْفَرِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - [6].

[1] - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ برقم (2828) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَيَنْظُرُ إلَى الْأَسْوَاقِ، فَإِذَا رَأَى اللَّبَنَ أَمَرَ بِالْأَسْقِيَةِ فَفُتِحَتْ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا مَغْشُوشًا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مَاءً غُشَّ بِهِ أَهْرَاقَهَا ". هذا حديث صحيح
قَالَ الطحاوي: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ غُشَّ فَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُهُ , وَهُوَ كَذَلِكَ , وَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُهْرِقْهُ إلَّا خَوْفًا مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَغُشُّوا بِهِ النَّاسَ فَأَهْرَاقَهُ لِذَلِكَ , وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْعُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَمْرَ خَلًّا لِمِثْلِ ذَلِكَ؛ خَوْفَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فَيَأْتِيَ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَمَرَهُ بِإِهْرَاقِهَا لِذَلِكَ. وَقَدْ شَدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الزِّقَاقِ الَّتِي خَرَقَهَا , وَقَدْ رَأَى زِقَاقًا غَيْرَهَا , وَفِيهَا خَمْرٌ، فَلَمْ يَخْرِقْهَا إذْ كَانَ أَهْلُهَا لَمْ يَفْعَلُوا فِيهَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ أَهْلُ تِلْكَ فِيهَا
[2] - الموسوعة الفقهية1 - 45 كاملة - (ج 2 / ص 4449) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 7 / ص 520) والفروع لابن مفلح - (ج 8 / ص 41) ومجلة المنار - (ج 18 / ص 193) والمنهيات - (ج 1 / ص 31) ومعالم القربة في طلب الحسبة - (ج 1 / ص 162) والطرق الحكمية - (ج 1 / ص 362) ونهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة - (ج 1 / ص 53)
[3] - أَخْبَارُ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبهَانِيِّ >> بَابُ الْعَيْنِ >> مَنِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ >> برقم (40640) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا عَقِيلُ بْنُ يَحْيَى، ثنا غَالِبُ بْنُ فَرْقَدٍ أَبُو يَحْيَى، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " نُهِينَا أَنْ نَشُوبَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ " ضعيف
[4] - الموسوعة الفقهية1 - 45 كاملة - (ج 2 / ص 4449) والفقه الإسلامي وأدلته - (ج 7 / ص 520)
[5] - الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ >> كِتَابُ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ >> بَابُ إِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِعُذْرٍ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى كَرَاهِيَتِهِ لِلصِّبْيَانِ >> برقم (2296) قَالَ مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ بِجَيْبِهِ فَشَقَّهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، لَقَدْ أَفْزَعْتَ الصَّبِيَّ، فَأَطَرْتَ قَلْبَهُ، قَالَ: " تَكْسُوهُمُ الْحَرِيرَ؟ "، قَالَ: فَإِنِّي أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، فَإِنُّهُمْ مِثْلُكَ " صحيح
وفي حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ برقم (118) حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَشَقَّ جَيْبَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، لَقَدْ أَفْزَعْتَ الصَّبِيَّ، وَأَطَرْتَ قَلْبَهُ، قَالَ: أَتُلْبِسُهُمُ الْحَرِيرَ؟ قَالَ: أَنَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، قَالَ: وَأَيُّهُمْ مِثْلُكَ؟، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَقَدْ كَانَ رُخِّصَ لَهُ فِي الْحَرِيرِ مِنَ الْقَمْلِ "
[6] - صحيح مسلم برقم (5555) عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا».
المعصفر: المصبوغ بالعصفر وهو نبات أصفر اللون
وفي صحيح مسلم برقم (5557) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَىَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ «أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا». قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا. قَالَ «بَلْ أَحْرِقْهُمَا».
وفي شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 156)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الثِّيَاب الْمُعَصْفَرَة، وَهِيَ الْمَصْبُوغَة بِعُصْفُرٍ، فَأَبَاحَهَا جُمْهُور الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة، وَمَالِك، لَكِنَّهُ قَالَ: غَيْرهَا أَفْضَل مِنْهَا، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ لُبْسهَا فِي الْبُيُوت وَأَفْنِيَة الدُّور، وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِل وَالْأَسْوَاق وَنَحْوهَا، وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه، وَحَمَلُوا النَّهْي عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ حُلَّة حَمْرَاء. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغ بِالصُّفْرَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّهْي مُنْصَرِف إِلَى مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَاب بَعْد النَّسْج، فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْله، ثُمَّ نُسِجَ، فَلَيْسَ بِدَاخِلِ فِي النَّهْي. وَحَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء النَّهْي هُنَا عَلَى الْمُحْرِم بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: نُهِيَ الْمُحْرِم أَنْ يَلْبَس ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْس أَوْ زَعْفَرَان. وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَتْقَنَ الْمَسْأَلَة فَقَالَ فِي كِتَابه مَعْرِفَة السُّنَن: نَهَى الشَّافِعِيّ الرَّجُل عَنْ الْمُزَعْفَر، وَأَبَاحَ الْمُعَصْفَر. قَالَ الشَّافِعِيّ: وَإِنَّمَا رَخَّصْت فِي الْمُعَصْفَر لِأَنِّي لَمْ أَجِد أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - النَّهْي عَنْهُ، إِلَّا مَا قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: نَهَانِي، وَلَا أَقُول: نَهَاكُمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث تَدُلّ عَلَى النَّهْي عَلَى الْعُمُوم، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم، ثُمَّ أَحَادِيث أُخَر، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الشَّافِعِيّ لَقَالَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّه، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ حَدِيث النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خِلَاف قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ، وَدَعُوا قَوْلِي، وَفِي رِوَايَة: فَهُوَ مَذْهَبِي. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيّ: وَأَنْهَى الرَّجُل الْحَلَال بِكُلِّ حَال أَنْ يَتَزَعْفَر. قَالَ: وَآمُرهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَتَبِعَ السُّنَّة فِي الْمُزَعْفَر، فَمُتَابَعَتهَا فِي الْمُعَصْفَر أَوْلَى. قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَر بَعْض السَّلَف، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَلِيمِيّ مِنْ أَصْحَابنَا، وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَة، وَالسُّنَّة أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ. وَاللَّه أَعْلَم.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست