responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 297
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مَا كَسَرَ مِنْ سِنّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَعَ شِدَّة الْأَلَم وَكَذَلِكَ قَلْع سِنّه وَعَيْنه أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ زِيَادَة أَلَم لِيَصِل الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِلَى اِسْتِيفَاء حَقّه فَهَلَّا اِعْتَبَرْتُمْ هَذَا الْأَلَم الْمُقَدَّر زِيَادَته فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة، كَمَا اِعْتَبَرْتُمُوهُ فِيهَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّوَر وَغَيْرهَا؟
قَالَ الْمَانِعُونَ: كَمَا عَدَلْنَا فِي الْإِتْلَاف الْمَالِيّ إِلَى الْقِيمَة، عِنْد تَعَذُّر الْمُمَاثَلَة، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، بَلْ أَوْلَى لِحُرْمَةِ الْبَشَرَة، وَتَأَكُّدهَا عَلَى حُرْمَة الْمَال.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ: هَذَا قِيَاس فَاسِد مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدهمَا: أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي إِتْلَاف الْمَال، فَإِنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوْبًا لَمْ تُجَوِّزُوا أَنْ يُتْلِف عَلَيْهِ مِثْله مِنْ كُلّ وَجْه. وَلَوْ قَطَعَ يَده أَوْ قَتَلَهُ لَقُطِعَتْ يَده وَقُتِلَ بِهِ، فَعُلِمَ الْفَرْق بَيْن الْأَمْوَال وَالْأَبْشَار، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَة عَلَى النُّفُوس وَالْأَطْرَاف يُطْلَب فِيهَا الْمُقَاصَّة بِمَا لَا يُطْلَب فِي الْأَمْوَال.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ هُوَ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمْ أَنَّ غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون يُضَمْنَ بِالْقِيمَةِ لَا بِالنَّظِيرِ وَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة وَلَا نَصّ؟ بَلْ الصَّحِيح: أَنَّهُ يَجِب الْمِثْل فِي الْحَيَوَان وَغَيْره بِحَسَبِ الْإِمْكَان كَمَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة فِي جَزَاء الصَّيْد: أَنَّهُمْ قَضَوْا فِيهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم بِحَسَبِ الْإِمْكَان، فَقَضَوْا فِي النَّعَامَة بِبَدَنَةٍ، وَفِي بَقَرَة الْوَحْش بِبَقَرَةٍ، وَفِي الظَّبْي بِشَاةٍ، إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
قَالَ الْمَانِعُونَ: " هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس " فَيُصَار إِلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلصَّحَابَةِ، وَلِهَذَا مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَة وَقَدَّمَ الْقِيَاس عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَ الْقِيمَة.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ: قَوْلكُمْ: إِنَّ هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس: فَرْع عَلَى صِحَّة الدَّلِيل الدَّالّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَر فِي ذَلِكَ هُوَ الْقِيمَة، دُون النَّظِير، وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع، حَتَّى يَكُون قَضَاء الصَّحَابَة بِخِلَافِهِ عَلَى خِلَاف الْقِيَاس، فَأَيْنَ الدَّلِيل؟:
قَالَ الْمَانِعُونَ: الدَّلِيل عَلَى اِعْتِبَار الْقِيمَة فِي إِتْلَاف الْحَيَوَان دُون الْمِثْل: أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " ضَمَّنَ مُعْتِق الشِّقْص إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ " وَلَمْ يُضَمِّنهُ نَصِيب الشَّرِيك بِمِثْلِهِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْل هُوَ الْقِيمَة فِي غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ: هَذَا أَصْل مَا بَنَيْتُمْ عَلَيْهِ اِعْتِبَار الْقِيمَة فِي هَذِهِ الْمَسَائِل وَغَيْرهَا، وَلَكِنَّهُ بِنَاء عَلَى غَيْر أَسَاس فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْء فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَاب ضَمَان الْمُتْلَفَات بِالْقِيمَةِ بَلْ هُوَ مِنْ بَاب تَمَلُّك مَال الْغَيْر بِالْقِيمَةِ، كَتَمَلُّكِ الشِّقْص الْمَشْفُوع بِثَمَنِهِ، فَإِنَّ نَصِيب الشَّرِيك بِقَدْرِ دُخُوله فِي مِلْك الْمُعْتَق، ثُمَّ يَعْتِق عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ، وَالْقَائِلُونَ بِالسِّرَايَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ يَعْتِق كُلّه عَلَى مِلْك الْمُعْتَق، وَالْوَلَاء لَهُ دُون الشَّرِيك.
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَسْرِي الْعِتْق عَقِب إِعْتَاقه، أَوْ لَا يَعْتِق حَتَّى يُؤَدِّي الثَّمَن؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِي، وَهُمَا فِي مَذْهَب أَحْمَد، قَالَ شَيْخنَا: وَالصَّحِيح: أَنَّهُ لَا يَعْتِق إِلَّا بِالْأَدَاةِ.
وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي: مَا إِذَا أَعْتَقَ الشَّرِيك نَصِيبه بَعْد عِتْق الْأَوَّل وَقَبْل وَزْن الْقِيمَة، فَعَلَى الْأَوَّل: لَا يَعْتِق عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَعْتِق عَلَيْهِ، وَيَكُون الْوَلَاء بَيْنهمَا.
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا: يَنْبَنِي مَا إِذَا قَالَ أَحَدهمَا: إِذَا أَعْتَقْت نَصِيبك فَنَصِيبِي حُرّ، فَعَلَى الْقَوْل الْأَوَّل لَا يَصِحّ هَذَا التَّعْلِيق، وَيَعْتِق كُلّه فِي مَال الْمُعْتَق. وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي: يَصِحّ التَّعْلِيق، وَيَعْتِق نَصِيب الشَّرِيك مِنْ مَاله.
فَظَهَرَ أَنَّ اِسْتِدْلَالكُمْ بِالْعِتْقِ اِسْتِدْلَال بَاطِل، بَلْ إِنَّمَا يَكُون إِتْلَافًا إِذَا قَتَلَهُ، فَلَوْ ثَبَتَ لَكُمْ بِالنَّصِّ أَنَّهُ ضَمَّنَ قَاتِل الْعَبْد بِالْقِيمَةِ دُون الْمِثْل: كَانَ حُجَّة، وَأَنَّى لَكُمْ بِذَلِكَ؟
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالْفَرْق وَاضِح بَيْن أَنْ يَكُون الْمُتْلَف عَيْنًا كَامِلَة أَوْ بَعْض عَيْن.
فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّضْمِين كَانَ تَضْمِين إِتْلَاف لَمْ يَجِب مِثْله فِي الْعَيْن الْكَامِلَة.
وَالْفَرْق بَيْنهمَا: أَنَّ حَقّ الشَّرِيك فِي الْعَيْن الَّتِي لَا يُمْكِن قِسْمَتهَا فِي نِصْف الْقِيمَة مَثَلًا أَوْ ثُلُثهَا، فَالْوَاجِب لَهُ مِنْ الْقِيمَة بِنِسْبَةِ مِلْكه، وَلِهَذَا يُجْبَر شَرِيكه عَلَى الْبَيْع إِذَا طَلَبَهُ لِيَتَوَصَّل إِلَى حَقّه مِنْ الْقِيمَة، وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رَاعَى ذَلِكَ، وَقَوَّمَ عَلَيْهِ الْعَبْد قِيمَة كَامِلَة، ثُمَّ أَعْطَاهُ حَقّه مِنْ الْقِيمَة، وَلَمْ يُقَوِّم عَلَيْهِ الشِّقْص وَحْده، فَيُعْطِيه قِيمَته.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَقّ الشَّرِيك فِي نِصْف الْقِيمَة.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ ضَمَّنَّا الْمُعْتَق نَصِيب الشَّرِيك بِمِثْلِهِ مِنْ عَبْد آخَر لَمْ نُجْبِرهُ عَلَى الْبَيْع إِذَا طَلَبَهُ شَرِيكه، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقّ فِي الْقِيمَة بَلْ حَقّه فِي نَفْس الْعَيْن فَحَقّه بَاقٍ مِنْهَا.
قَالُوا: فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَكُمْ أَصْل تَقِيسُونَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ كِتَاب وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح " أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - اِقْتَرَضَ بَكْرًا وَقَضَى خَيْرًا مِنْهُ " وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يُجَوِّز قَرْض الْحَيَوَان، مَعَ أَنَّ الْوَاجِب فِي الْقَرْض رَدّ الْمِثْل، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَان مِثْلِيّ. =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست