responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 296
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= هَؤُلَاءِ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَد فَعَرَضْت عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا، فَرَضُوا، قَالُوا: لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكُفُّوا، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي خَاطِب عَلَى النَّاس وَمُخْبِرهمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّاس ثُمَّ قَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ ".
وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ: السُّلْطَان يُصَاب عَلَى يَده.
فَصْل
وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِيَ الْقِصَاص فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُمْكِن لِلْمُقْتَصِّ أَنْ يَفْعَل بِخَصْمِهِ مِثْل مَا فَعَلَهُ بِهِ مِنْ كُلّ وَجْه هَلْ يَسُوغ الْقِصَاص فِي ذَلِكَ، أَوْ يَعْدِل إِلَى عُقُوبَته بِجِنْسٍ آخَرَ، وَهُوَ التَّعْزِير؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
أَصَحّهمَا: أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ الْقِصَاص، وَهُوَ مَذْهَب الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ، ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ حَكَاهُ عَنْهُمْ أَحْمَد وَأَبُو إِسْحَاق الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَم، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد فِي رِوَايَة الشَّالِنْجِيّ وَغَيْره، قَالَ شَيْخنَا رَحِمَهُ اللَّه: وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْرَع فِيهِ الْقِصَاص، وَهُوَ الْمَنْقُول عَنْ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبِي حَنِيفَة، وَقَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَاب أَحْمَد، حَتَّى حَكَى بَعْضهمْ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاص فِيهِ.
وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، بَلْ حِكَايَة إِجْمَاع الصَّحَابَة عَلَى الْقِصَاص أَقْرَب مِنْ حِكَايَة الْإِجْمَاع عَلَى مَنْعه. فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ، وَلَا يُعْلَم لَهُمْ مُخَالِف فِيهِ.
وَمَأْخَذ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ بِالْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، فَبَقِيَ النَّظَر فِي أَيّ الْأَمْرَيْنِ أَقْرَب إِلَى الْعَدْل؟.
فَقَالَ الْمَانِعُونَ: الْمُمَاثَلَة لَا تُمْكِن هُنَا، فَكَأَنَّ الْعَدْل يَقْتَضِي الْعُدُول إِلَى جِنْس آخَر وَهُوَ التَّعْزِير، فَإِنَّ الْقِصَاص لَا يَكُون إِلَّا مَعَ الْمُمَاثَلَة، وَلِهَذَا لَا يَجِب فِي الْجُرْح حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَدّ، وَلَا فِي الْقَطْع إِلَّا مِنْ مَفْصِل، لِتَمَكُّنِ الْمُمَاثَلَة، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ فِي الْقَطْع وَالْجُرْح صِرْنَا إِلَى الدِّيَة. فَكَذَا فِي اللَّطْمَة وَنَحْوهَا، لَمَّا تَعَذَّرَتْ صِرْنَا إِلَى التَّعْزِير. قَالَ الْمُجَوِّزُونَ: الْقِصَاص فِي ذَلِكَ أَقْرَب إِلَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَالْقِيَاس وَالْعَدْل مِنْ التَّعْزِير.
أَمَّا الْكِتَاب: فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه قَالَ: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَة مِثْلهَا): وَقَالَ (فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ).
وَمَعْلُوم: أَنَّ الْمُمَاثَلَة مَطْلُوبَة بِحَسَبِ الْإِمْكَان، وَاللَّطْمَة أَشَدّ مُمَاثَلَة لِلَّطْمَةِ، وَالضَّرْبَة لِلضَّرْبَةِ مِنْ التَّعْزِيز لَهَا، فَإِنَّهُ ضَرْب فِي غَيْر الْمَوْضِع، غَيْر مُمَاثِل لَا فِي الصُّورَة، وَلَا فِي الْمَحَلّ، وَلَا فِي الْقَدْر، فَأَنْتُمْ فَرَرْتُمْ مِنْ تَفَاوُت لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْهُ بَيْن اللَّطْمَتَيْنِ، فَصِرْتُمْ إِلَى أَعْظَم تَفَاوُت مِنْهُ، بِلَا نَصّ وَلَا قِيَاس.
قَالُوا: وَأَمَّا السُّنَّة: فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاب إِلَّا سُنَّة الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ لَكَفَى بِهَا دَلِيلًا وَحُجَّة.
قَالُوا. فَالتَّعْزِير لَا يُعْتَبَر فِيهِ جِنْس الْجِنَايَة، وَلَا قَدْرهَا، بَلْ قَدْ يُعَزِّرُوهُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَيَكُون إِنَّمَا ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَوْ رِجْله، فَكَانَتْ الْعُقُوبَة بِحَسَبِ الْإِمْكَان فِي ذَلِكَ أَقْرَب إِلَى الْعَدْل الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه بِهِ كُتُبه وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُله.
قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة فِي أَكْثَر مِنْ مِائَة مَوْضِع عَلَى أَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (جَزَاء وِفَاقًا): أَيْ: وَفْق أَعْمَالهمْ، وَهَذَا ثَابِت شَرْعًا وَقَدْرًا.
أَمَّا الشَّرْع. فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص} فَأَخْبَرَ سُبْحَانه: أَنَّ الْجُرُوح قِصَاص، مَعَ أَنَّ الْجَارِح قَدْ يَشْتَدّ عَذَابه إِذَا فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، حَتَّى يَسْتَوْفِي مِنْهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: " أَنَّهُ رَضَخَ رَأْسَ الْيَهُودِيّ " كَمَا رَضَخَ رَأْس الْجَارِيَة وَهَذَا الْقَتْل قِصَاص، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَقْضِ الْعَهْد أَوْ لِلْحِرَابَةِ لَكَانَ بِالسَّيْفِ. وَلَا يُرْضَخ الرَّأْس.
وَلِهَذَا كَانَ أَصَحّ الْأَقْوَال: أَنَّهُ يُفْعَل بِالْجَانِي مِثْل مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّه كَالْقَتْلِ بِاللِّوَاطَةِ، وَتَجْرِيع الْخَمْر وَنَحْوه، فَيُحَرَّق كَمَا حَرَّقَ، وَيُلْقَى مِنْ شَاهِق كَمَا فَعَلَ، وَيُخْنَق كَمَا خَنَقَ، لِأَنَّ هَذَا أَقْرَب إِلَى الْعَدْل. وَحُصُول مُسَمَّى الْقِصَاص وَإِدْرَاك الثَّأْر وَالتَّشَفِّي وَالزَّجْر الْمَطْلُوب مِنْ الْقِصَاص.
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ أَحْمَد. قَالُوا: وَأَمَّا كَوْن الْقِصَاص لَا يَجِب فِي الْجُرْح حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ، وَلَا فِي الطَّرَف حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَفْصِل لِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَة فَهَذَا اِشْتِرَاط لِئَلَّا يَزِيد الْمُقْتَصّ عَلَى مِقْدَار الْجِنَايَة، فَيَصِير الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَظْلُومًا بِذَهَابِ ذَلِكَ الْجُزْء، فَتَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَة فَصِرْنَا إِلَى الدِّيَة وَهَذَا بِخِلَافِ اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة، فَإِنَّهُ لَمَّا قَدَّرَ تَعَدِّي الْمُتَقَضِّي فِيهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَهَابِ جُزْء، بَلْ بِزِيَادَةِ أَلَم وَهَذَا لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْهُ، وَلِهَذَا تُوجِبُونَ التَّعْزِير مَعَ أَلَمه يَكُون أَضْعَاف أَلَم اللَّطْمَة، وَالْبَرْد مِنْ سِنّ الْجَانِي مِقْدَار =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 296
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست