responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 293
وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَيْعُهُ فَهُنَا يُؤْمَرُونَ بِالْوَاجِبِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهُ: فَهُنَا يُؤْمَرُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بِلَا رَيْبٍ. وَمَنْ مَنَعَ التَّسْعِيرَ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِى بِمَظْلَمَةٍ فِى دَمٍ وَلاَ مَالٍ» [1]. فَقَدْ غَلِطَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لَيْسَتْ لَفْظًا عَامًّا، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ أَحَدًا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ عَمَلٍ يَجِبُ عَلَيْهِ؛ أَوْ طَلَبَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ عِوَضِ الْمِثْلِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا رَغِبَ النَّاسُ فِي الْمُزَايَدَةِ فِيهِ: فَإِذَا كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ بَذَلَهُ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَكِنَّ النَّاسَ تَزَايَدُوا فِيهِ فَهُنَا لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِمْ وَالْمَدِينَةُ كَمَا ذَكَرْنَا إنَّمَا كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهَا غَالِبًا مِنْ الْجَلَبِ؛ وَقَدْ يُبَاعُ فِيهَا شَيْءٌ يُزْرَعُ فِيهَا؛ وَإِنَّمَا كَانَ يُزْرَعُ فِيهَا الشَّعِيرُ؛ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُونَ وَلَا الْمُشْتَرُونَ نَاسًا مُعَيَّنِينَ؛ وَلَمْ يَكُنْ

[1] - سنن أبى داود برقم (3453) وهو صحيح
وفي الطرق الحكمية - (ج 1 / ص 350)
قَالَ شَيْخُنَا: فَهَذَا الَّذِي تَنَازَعُوا فِيهِ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَيْعُهُ: فَهُنَا يُؤْمَرُونَ بِالْوَاجِبِ، وَيُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَامْتَنَعَ.
وَمَنْ احْتَجَّ عَلَى مَنْعِ التَّسْعِيرِ مُطْلَقًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ} قِيلَ لَهُ: هَذِهِ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَيْسَتْ لَفْظًا عَامًّا، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ أَحَدًا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَا النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَلَّ رَغِبَ النَّاسُ فِي الْمُزَايَدَةِ فِيهِ، فَإِذَا بَذَلَهُ صَاحِبُهُ - كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَكِنَّ النَّاسَ تَزَايَدُوا فِيهِ - فَهُنَا لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي عِتْقِ الْحِصَّةِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، فَقَالَ: {مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ - وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ - قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ}، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ فَلَمْ يُمْكِنْ الْمَالِكَ أَنْ يُسَاوِمَ الْمُعْتِقَ بِاَلَّذِي يُرِيدُ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَلِّكَ شَرِيكَهُ الْمُعْتَقَ نَصِيبَهُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْهُ لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ: قَدَّرَ عِوَضَهُ بِأَنْ يُقَوِّمَ جَمِيعَ الْعَبْدِ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَيُعْطِيهِ قِسْطَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ، لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَصَارَ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلًا فِي أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ عَيْنِهِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ، إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
وَصَارَ أَصْلًا فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُعَاوَضَةُ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُعَاوِضَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا بِمَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ.
وَصَارَ أَصْلًا فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ قَهْرًا بِثَمَنِهِ، لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا فِي الشُّفْعَةِ، وَأَصْلًا فِي وُجُوبِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّارِعُ يُوجِبُ إخْرَاجَ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ، لِمَصْلَحَةِ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُمَكِّنْ الْمَالِكَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ بِالنَّاسِ إلَى التَّمَلُّكِ أَعْظَمَ، وَهُمْ إلَيْهَا أَضَرُّ؟ مِثْلُ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ.
وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَقْوِيمِ الْجَمِيعِ قِيمَةَ الْمِثْلِ: هُوَ حَقِيقَةُ التَّسْعِيرِ، وَكَذَلِكَ سَلَّطَ الشَّرِيكَ عَلَى انْتِزَاعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ لَا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ التَّكْمِيلِ لِوَاحِدٍ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِذَا جُوِّزَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، لَا بِمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْجُزْئِيَّةِ، فَكَيْفَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَآلَةِ حَرْبٍ؟ وَكَذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ الْحَاجُّ إلَى مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ آلَاتِ السَّفَرِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، لَا بِمَا يُرِيدُونَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَحَدِيثُ الْعِتْقِ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 293
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست